للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المخلوقات التي لا تفنى]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء يفنى، إلا الجنة والنار، والعرش والكرسي، واللوح والقلم والصور، ليس يفنى من هذا أبداً، ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة فيحاسبهم بما شاء، فريق في الجنة، وفريق في السعير، ويقول لسائر الخلق ممن لم يخلق للبقاء: كونوا تراباً].

(وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء فإنه يفنى)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧]؛ ولقوله سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:٨٨]؛ ولقوله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:٣٤]، وقوله سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:١٨٥]؛ ولقوله سبحانه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر:٣٠ - ٣١] فكل شيء يفنى ممن أوجب الله علية الفناء إلا الأشياء التي كتب الله لها البقاء، وهي ثمانية أشياء، ذكر المؤلف منها: الجنة والنار، فهما دائمتان مخلوقتان لا تفنيان، والعرش والكرسي، واللوح والقلم والصور، والمقصود بالصور الأرواح إذا خرجت، إذا خرجت روح الميت نقلت إلى الجنة ولها صلة بالجسد، وروح الكافر تنقل إلى النار ولها صلة بالجسد، والبدن يفنى ويدخل التراب ثم يعيده الله خلقاً جديداً ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور فتعود الأرواح إلى أجسادها مرة أخرى، فالأرواح باقية إما في نعيم أو في عذاب, وقد ذكر المؤلف سبعة أشياء، والثامن هو عجب الذنب وهو آخر فقرة في العمود الفقري، فقد جاء في الحديث: (كل ابن آدم يفنى إلا عجب الذنب منه خلق ابن آدم ومنه يركب)؛ ولهذا يقول النووي: ثمانية حكم البقاء يعمها من الخلق والباقون في حيز العدم هي العرش والكرسي نار وجنة وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم وهذه الأشياء باقية بإبقاء الله لها, والجهم بن صفوان يرى أن الجنة والنار تفنيان, وقد أنكر عليه أهل السنة وبدّعوه وضللوه وكفروه.

(ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه) , وجاء في الحديث أن كل إنسان يبعث على ما مات عليه, فمن مات على الخير يبعث على الخير, ومن مات على الكفر يبعث على الكفر, ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة ويحاسبهم بما شاء, وجاء في الحديث: (أن الله يحاسب الخلائق في وقت واحد, لا يلهيه شأن عن شأن) فيحاسبهم في وقتهم كما أنه يخلقهم ويرزقهم ويعافيهم ويجيب سؤالهم في وقت واحد.

لكن المخلوق ضعيف، فلو كلمك اثنان أو ثلاثة أو كلمتهم لما استطعت، ولكن الله سبحانه وتعالى يفرغ من حسابهم بقدر منتصف النهار, ثم ينتقل أهل الجنة إلى الجنة في وقت القيلولة ويقيلون فيها، قال الله عز وجل: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:٢٤].

(يحاسبهم بما شاء، ففريق في الجنة، وفريق في السعير, ويقول لسائر الخلق ممن لم يخلق للبقاء: كونوا تراباً) جاء في الحديث: أن البهائم تبعث يوم القيامة ويقتص من بعضها البعض حتى يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء, إذا كانت الشاة التي لها قرون نطحت أختها الشاة التي ليس لها قرون, تأخذ حقها منها، فإذا أخذت حقها منها قال الله لها: كوني تراباً، فتكون، وحين ذلك يقول الكافر: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:٤٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>