للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بالإسراء والمعراج]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به إلى السماء، وصار إلى العرش، وكلم الله تبارك تعالى، ودخل الجنة، واطلع إلى النار، ورأى الملائكة، وسمع كلام الله عز وجل، وبشرت به الأنبياء، ورأى سرادقات العرش والكرسي، وجميع ما في السموات وما في الأرضين في اليقظة، حمله جبريل على البراق حتى أداره في السموات، وفرضت له الصلاة في تلك الليلة، ورجع إلى مكة في تلك الليلة، وذلك قبل الهجرة].

قوله: (والإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به إلى السماء) , فالإيمان بالإسراء لا بد منه, ومن لم يؤمن بالإسراء فهو كافر؛ لأنه مكذب بالله، ولقول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:١].

والإسراء في اللغة معناه: السفر ليلاً.

والمراد به شرعاً: السفر برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً، بصحبة جبرائيل على البراق، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.

والبراق: دابة فوق الحمار ودون البغل، خطوه مد البصر، فتكون سرعته مثل سرعة الطائرة تقريباً.

ومعنى خطوه مد البصر أي: إذا رفع حافره فخطوته تكون مد البصر؛ ولهذا قطع هذه المسافة في مدة وجيزة, وسمي بالبراق من البريق واللمعان، ثم صلى بالأنبياء إماماً بعد أن جمعوا له، ثم عرج به عليه الصلاة والسلام إلى السماء بشيء كهيئة السلم, فصعد فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع جبرائيل، فاستفتح جبريل باب السماء ففتح له، وقيل له: من معك؟ قال: محمد, قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم, فرأى فيها آدم أبا البشر, فسلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ورحب به وأقر بنبوته وقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح.

ثم صعد إلى السماء الثانية في وقت وجيز وبسرعة، والله على كل شيء قدير, ووجد فيها ابني الخالة عيسى ويحيى، فسلم عليهما فرحبا به وأقرا بنبوته، وقالا: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح.

ثم عرج إلى السماء الثالثة فوجد فيها إدريس فرحب به وأقر بنبوته, ثم صعد إلى السماء الرابعة فوجد فيها يوسف فرحب به وأقر بنبوته.

ثم صعد إلى السماء الخامسة فوجد فيها هارون فرحب به وأقر بنبوته.

ثم صعد إلى السماء السادسة فوجد فيها موسى فرحب به وأقر بنبوته, ثم صعد إلى السماء السابعة فوجد فيها إبراهيم، فرحب به وأقر بنبوته.

وكلهم قالوا: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح إلا إبراهيم وآدم فإنه من سلالتهما فقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح, ووجد النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور, والبيت المعمور كعبة سماوية يحاذي الكعبة الأرضية فلو سقط لسقط عليه, يدخله كل يوم سبعون ألف ملك للطواف والصلاة, ثم لا يعودون إليه.

ثم صعد نبينا عليه الصلاة والسلام وتجاوز السبع الطباق حتى وصل إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام، فكلمه الله عز وجل من دون واسطة، لكن من وراء حجاب, فهو عليه الصلاة والسلام لم ير ربه ولا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه) , يعني حجاب النور منعني من رؤيته، وفي اللفظ الآخر (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).

وكما سبق أن موسى لما سأل الله رؤيته قال له الله: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:١٤٣]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:٥١] فكان الكلام بدون واسطة، لكنه ما استطاع أن يرى ربه، فهو محجوب عنها ولا يستطيع أحد أن يرى الله, فقد احتجب الله عن الخلق، ولا يستطيع أن يرى الله في الدنيا أحد من خلقه حتى جبريل، وإنما الرؤية خاصة بأهل الجنة في الآخرة.

فالرسول عليه الصلاة والسلام عرج به ورأى الجنة والنار، فقد اطلع على الجنة ورأى فيها أقواماً، واطلع على النار ورأى فيها المعذبين من الزناة والزواني وهم في تنور ضيق، ورأى الذين يغتابون الناس يهشمون وجوههم وصدورهم، ورأى آكل الربا يسبح في نهر الدم ويلقم حجرًا وكل هذا ثابت, والمعراج ثابت بالسنة, والإسراء ثابت في القرآن فلا بد من الإيمان بهما.

(والإيمان بأن رسول صلى الله عليه وسلم أسري به إلى السماء وصار إلى العرش) , أما كيف صار إلى العرش؟ فالله أعلم بالكيفية فهذا يحتاج إلى دليل, وقوله: (صار إلى العرش) أي: مس العرش، أو جلس على العرش والله أعلم أيهما أصح، فالرسول صلى الله عليه وسلم عرج به حتى جاوز السبع الطباق ووصل إلى مكان يسمع فيه صريف أقلام القدر، ثم كلمه بدون واسطة وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة, ثم هبط حتى وصل إلى موسى في السماء السادسة فسأله، قال: ماذا فرض عليك ربك؟ قال: خمسين صلاة, قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك ضعيفة لا تطيق خمسين صلاة في اليوم والليلة.

والله تعالى هو الذي حرك قلب موسى، وهو الذي حرك قلب محمد فقبل قول موسى فاستشار جبريل فأشار عليه جبريل أن نعم, فعاد به إلى الجبار جل جلاله فسأل ربه التخفيف فوضع عنه عشرًا.

وفي رواية: فجعل يتردد بين ربه وبين موسى, فكلما جاء إلى موسى قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، حتى صارت خمس صلوات، فقال موسى عليه الصلاة والسلام: ماذا أمرك ربك؟ قال خمس صلوات في اليوم والليلة, قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك ضعيفة لا تطيق خمس صلوات في اليوم والليلة, وإني عالجت بني إسرائيل أكثر من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم، فنادى مناد من السماء: أن أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ما يبدل القول لدي، هي خمس في العدد، وهي خمسون في الميزان والأجر).

قوله: (ونشرت له الأنبياء) أي: رآهم كلهم بأرواحهم، فقد أخذت أرواحهم شكل الأجساد، إلا عيسى فقد رفعه الله إلى السماء بجسده وروحه.

قوله: (ورأى سرادقات العرش والكرسي) وهذا يحتاج إلى دليل.

قوله: (وجميع ما في السموات وما في الأرضين في اليقظة) وهذا أيضاً يحتاج إلى دليل.

فكونه رأى سرادقات العرش والكرسي هذا يحتاج إلى دليل، وكونه رأى جميع ما في السماوات وما في الأرضين في اليقظة هذا أيضاً يحتاج إلى دليل، فهل طاف في الأرض كلها من أولها إلى آخرها ورأى ما فيها وما في لجج البحار؟ هذا يحتاج إلى دليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>