للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البشارات عند الموت]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن البشارة عند الموت ثلاث بشارات، يقال: أبشر يا حبيب الله برضا الله والجنة، ويقال: أبشر يا عدو الله بغضب الله والنار، ويقال: أبشر يا عبد الله بالجنة بعد الإسلام.

هذا قول ابن عباس].

يبشر المؤمن عند موته بالمغفرة والرضوان، فقد جاء في حديث البراء وغيره: (أن ملك الموت إذا قبض روح المؤمن فإنها تخرج كما تخرج القطرة من في السقاء -يعني: من فم السقاء- فيقال لها: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، وأما الفاجر أو الكافر فتنزع روحه كم ينزع الصوف من السفود المبلول، ويقال لها: اخرجي إلى غضب من الله وسخط) فالمؤمن يبشر بهذه البشارة: (اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان)، والكافر يبشر بهذه البشارة: (اخرجي إلى غضب من الله وسخط) نسأل الله السلامة والعافية.

وقد بيّن الله تعالى في كتابه العزيز أن المؤمن يبشر فقال عز وجل: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠].

وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:٣٠].

فهذه ثلاث بشارات للذين قالوا: (ربنا الله) أي: معبودنا وإلهنا حقاً هو الله، ثم استقاموا على ذلك بالعمل، فتتنزل عليهم الملائكة عند الموت بهذه البشارات: (ألا تخافوا) وهذه البشارة الأولى، والثانية: (ألا تحزنوا)، والثالثة: (وأبشروا بالجنة).

فالبشارة الأولى: (ألا تخافوا) أي: مما أمامكم من عذاب الله وسخطه والنار، فأمنوهم من ذلك.

والثانية: (ولا تحزنوا) أي: على ما خلفتم من الأموال والأولاد فنحن نخلفكم فيهم.

والبشارة الثالثة: (وأبشروا بالجنة)، أي: عند الموت، ففي حال الشدة والوقت العصيب يبشرون هذه البشارات: لا تخافوا مما أمامكم من عذاب القبر والنار، ولا تحزنوا على ما خلفتم من الأولاد، فالملائكة يخلفون المؤمن فيهم، وأبشروا بالجنة.

وأما الظالمون فيبشرون بالنار، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام:٩٣]، فهذا في غمرات الموت، فيبشرونهم بالعذاب والعياذ بالله، فالمؤمن يبشر بالجنة والكافر يبشر بالعذاب.

وقال سبحانه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:٥٠]، وهذا أيضاً عند الموت، فيضربون وجوههم وأدبارهم ويقولون لهم: ذوقوا عذاب الحريق.

فهذه البشارة: (أبشر يا حبيب الله برضا الله والجنة) دليلها كما ذكرنا قوله تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:٣٠].

وأما قوله: (أبشر يا حبيب الله برضا الله) فهذا اللفظ يحتاج إلى دليل، وأما بشارة الكافر: (أبشر يا عدو الله!) فهذا يحتاج إلى دليل.

وقوله في البشارة الثالثة: ويقال: (أبشر يا عبد الله بالجنة بعد الإسلام) فما دليل هذه البشارة؟ وما الفرق بين هذه البشارة وبين البشارة الأولى؟ إذاً فالبشارات الثلاث التي هي للمؤمن كما سمعتم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا} [فصلت:٣٠]، فهذه بشارة بتأمينهم من الخوف من العذاب في المستقبل، والثانية: {وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت:٣٠]، أي: لا تحزنوا على ما خلفتم من الأموال والأولاد، والبشارة الثالثة: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} [فصلت:٣٠]، فهذه هي البشارات الثلاث.

وأما ما ذكره المؤلف فهما بشارتان للمؤمن بالجنة، وبشارة للكافر بالنار، ومعلوم أن للمؤمن ثلاث بشارات خاصة به كما ذكرنا، فليراجع كلام ابن عباس في تفسير ابن كثير والتذكرة للقرطبي، فينظر في كلام ابن عباس هل فيه ذكر هذه البشارات الثلاث التي ذكرها المؤلف، وينظر أيضاً هل هي: أبشر يا عبد الله! بالجنة بعد الإسلام أو بعد الانتقام، فإذا ثبت هذا عن ابن عباس فتكون البشارة الأولى للمؤمن الذي يدخل الجنة من أول وهلة، والثانية للمؤمن بعد تعذيبه بالنار، والثالثة للكافر، وإن لم يثبت فهما بشارتان: بشارة للمؤمن، وبشارة للكافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>