للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نفي وجود القياس في السنة أو ضرب الأمثال أو اتباع الأهواء]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله! أنه ليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تتبع فيها الأهواء، وإنما هو التصديق بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح ولا يقال: لم ولا كيف].

قال: (واعلم رحمك الله أنه ليس في السنة قياس) يعني: المراد بالقياس القياس الفاسد وهو الذي يعارض به النصوص مثل قياس إبليس، فهو أول من قاس القياس الفاسد، قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢]، ولهذا قال بعض السلف: ما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس.

والقياس الفاسد: هو أن يستعمل القياس مقابل النص، فإذا جاءك نص فلا تقس، ومثال ذلك: حرم الله تعالى الربا بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة:٢٧٨]، فالمشركون قاسوا وقالوا: إن البيع مثل الربا، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:٢٧٥]، وهذا القياس فاسد مقابل النص، فالنص هو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة:٢٧٨]، فالقياس الفاسد هو الذي يكون في مقابلة النصوص، فإبليس كان عنده نص وهو: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} [البقرة:٣٤]، فقام بالقياس الفاسد وهو: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢].

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (واعلم رحمك الله أنه ليس في السنة قياس ولا يضرب لها الأمثال)، يعني: لا يضرب لكلام الله وكلام رسوله الأشباه والنظائر، فيقول: إن هذا مثل كذا وهذا مثل كذا فيكون حكمه كذا، فأمر الله وأمر رسوله يتلقى بالتصديق والقبول والامتثال، ولا تتبع فيه الأهواء، فالله تعالى حرم عليك الربا، لكن الإنسان يهوى أن يتعامل بالربا حتى يحصل له ربح، فهذه شهوة وهوى فاترك الهوى: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:٢٦]، وقدم أمر الله وأمر رسوله على الهوى.

(وإنما هو التصديق بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح)، يعني: لا يقال: لم، ولا كيف؟ فإذا جاءتك النصوص فلا تعترض، لا تقول: لم ولا كيف؟ لا يقال: لم في الأفعال، وكيف في الصفات، فلا تقول: لماذا أوجب الله علينا الصلوات الخمس، لماذا لم يجعلها ست صلوات؟! لماذا جعل الله هذا فقيراً وهذا غنياً، وهذا طويلاً وهذا قصيراً، وهذا ملكاً وهذا مملوكاً؟!

و

الجواب

لأن الله حكيم {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣]؛ لكمال حكمته ولا تقل: الله استوى على العرش، كيف استوى؟ كيف ينزل؟ كيف يتكلم؟ لا تقل شيئاً، فهو ينزل بلا كيف، ويتكلم بلا كيف، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء: الاستواء معلوم -أي: معلوم في اللغة العربية- والكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

فالواجب على المسلم التصديق بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح يخالف النصوص، أو يكون فيه اعتراض على أمر الله وأمر رسوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>