للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يظهر اتفاق الروايات في هذا الباب، وموافقة فتاوى الصحابة لها، وهو مقتضى الدليل والقياس، لأنّ النّذر ليس واجباً بأصل الشرع، وإنّما أوجبه العبد على نفسه، فصار بمنزلة الدَّين الذي استدانه.

ولهذا شبَّهه النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدَّين في حديث ابن عبّاس، والمسؤول عنه فيه؛ أنّه كان صوم نذر، والدين تدخله النيابة.

وأمّا الصوم الذي فرَضه الله عليه ابتداء؛ فهو أحد أركان الإِسلام، فلا يدخله النيابة بحال، كما لا يدخل الصلاة والشهادتين، فإِنّ المقصود منها طاعة العبد بنفسه، وقيامه بحقِّ العبودية التي خُلِقَ لها وأُمِر بها.

وهذا أمر لا يؤدّيه عنه غيره، كما لا يُسْلِم عنه غيره، ولا يصلِّي عنه غيره، وهكذا من ترك الحجّ عمداً مع القدرة عليه حتى مات أو ترَك الزكاة فلم يُخرجها حتى مات (١)، فإِنّ مقتضى الدليل وقواعد الشرع: أن فِعْلهما عنه بعد الموت لا يبرئ ذمَّته. ولا يُقبل منه، والحق أحقُّ أن يتبع.

وسرُّ الفرق: أنَّ النَّذر التزام المكلَّف لِمَا شُغِل به ذمَّته، لا أنّ الشارع ألْزَمه به ابتداءً، فهو أخف حُكْماً ممّا جعله الشَّارع حقاً له عليه، شاء أم أبى.

والذِّمّة تسَع المقدور عليه والمعجوز عنه، ولهذا تقبل أنْ يشغلها المكلِّف بما لا قُدرة له عليه؛ بخلاف واجبات الشرع، فإِنِّها على قدر طاقة البدن، لا تجب على عاجز.


(١) ولكن يبقى الحق المتعلِّق بالعباد، فتبرئة ذمَّته من جهتهم لا بدَّ منها، وذلك عن طريق الورثة، فلا بُدّ من دفْع الزكاة لأهلها. والله -تعالى- أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>