للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: لقد كنتُ، أيام تولية القضاء، قد رُفِعَ إِليَّ أمرُ قومٍ خَرَجوا محاربين في رفقة، فأخذوا منهم امرأة مغالبةً على نفسها من زوجها، ومِن جملة المسلمين معه فاختلوا بها، ثم جد فيهم الطلب، فأُخِذوا وجيء بهم.

فسألتُ من كان ابتلاني الله به من المفتين، فقالوا: ليسوا محاربين، لأنَّ الحرابة إِنَّما تكون في الأموال، لا في الفروج. فقلتُ لهم: إِنَّا لله وإِنَّا إِليه راجعون! ألم تعلموا أنَّ الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وأنَّ الناس ليرضون أن تذهب أموالهم، وتحرب بين أيديهم، ولا يرضون أن يحرب المرء في زوجته وبنته؟ ولو كان فوق ما قال الله عقوبة، لكانت لمن يسلب الفروج، وحسبكم من بلاءٍ صحبة الجُهَّال، وخصوصاً في الفتيا والقضاء.

وقال القرطبي: والمغتال كالمحارب، وهو أن يحتال في قتلِ إِنسان على أخذ ماله، وإِن لم يُشهِر السِّلاح، ولكن دخل عليه بيته، أو صَحِبَه في سفر، فأطعمه سُمًّا فقتله، فيقتل حدًّا، لا قوَداً.

وقريب من هذا القول، رأي ابن حزم، حيث يقول: إِنَّ المحارب هو المكابر، المخيف لأهل الطريق، المفسد في سبل الأرض؛ سواء بسلاح، أم بلا سلاح أصلاً، سواء ليلاً، أم نهاراً، في مصر أم فلاة، في قصر الخليفة، أم في الجامع سواء، وسواء فعل ذلك بجندٍ، أم بغير جند، منقطعين في الصحراء، أم أهل قرية؛ سكاناً في دورهم، أم أهل حصن كذلك، أم أهل مدينة عظيمة، أم غير عظيمة، كذلك واحد، أم أكثر، كل من حارب المارة، وأخاف السبيل بقتل نفس، أو أخْذ مال، أو لجراحة، أو لانتهاك عرض، فهو محارب عليه وعليهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>