للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ريب أنّ ضمان المال بجنسه مع اعتبار القيمة أقرب إِلى العدل من ضمانه بغير جنسه، وهو الدراهم والدنانير مع اعتبار القيمة؛ فإِنّ القيمة مُعتبرةٌ في الموضعين، والجنس مختصٌّ بأحدهما، ولا ريب أن الأغراض متعلقة بالجنس، وإِلا فمن له غرضٌ في كتابٍ أو فرس أو بستان؛ ما يصنع بالدراهم؟

فإِنْ قيل: يشتري بها مثله، قيل: الظالم الذي فوّته ماله هو أحقّ بأن يَضْمَن له مِثل ما فوّته إِياه؛ أو نظير ما أفسدَه من ماله.

وقال ابن القيم -رحمه الله- (١) - في معرض الكلام عن القِصاص في إِتلاف الأموال-: "إِتلاف المال؛ فإِنْ كان مما له حُرمة، كالحيوان والعبيد، فليس له أن يُتلِف ماله، كما أتلف مالَه، وإِنْ لم تكن له حرمة، كالثوب يشقّه، والإِناء يكسره، فالمشهور، أنه ليس له أن يُتلِف عليه نظيرَ ما أتلفه، بل له القيمة أو المِثل.

والقياس يقتضي أن له أن يفعل بنظير ما أتلفه عليه؛ كما فعله الجاني به، فيشقُّ ثوبه، كما شقَّ ثوبه، ويكسر عصاه كما كَسَر عصاه، إِذا كانا متساويين، وهذا من العدل، وليس مع منْ منَعَه نصّ، ولا قياس، ولا إِجماع، فإِنّ هذا ليس بحرام لحقّ الله، وليست حُرمة المال أعظم من حرمة النفوس والأطراف.

وإِذا مكّنه الشارع أن يُتلف طرَفَه بطرَفِه؛ فتمكينه من إِتلاف ماله في مقابلة ماله هو أولى وأحرى، وإنّ حكمة القِصاص من التشفي، ودرك الغيظ، لا تحصل إِلا بذلك، ولأنه قد يكون له غرض في أذاه، وإتلاف ثيابه، ويعطيه قيمتها، ولا يشق ذلك


(١) ذكره في "إعلام الموقعين" (١/ ٣٢٧) ونقله السيد سابق -رحمه الله- في "فقه السنة" (٣/ ٣٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>