للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رحمةَ الله هم الذين قاموا بِهذِهِ الثلاثة. قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١).

وكما أنَّ الإيمان فرض على كلّ أحد، ففرْضٌ عليهِ هجرتان في كل وقت:

هجرةٌ إلى الله -عزَّ وجلَّ- بالتوحيدِ، والإخلاص، والإنابة، والتَّوكُّلِ، والخوفِ، والرجاءِ، والمحبةِ، والتوبةِ.

وهجرةٌ إلى رسوله بالمتابعة، والانقيادِ لأمره، والتصديق بخبرِه، وتقديم أمرِه وخبرِه على أمرِ غيرِه وخبرِه: "فمن كانت هجرتُهُ إلى الله ورسوله، فهجرتُهُ إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرتُهُ إلى دُنيا يصيبها، أو امرأةِ يتزوَّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" (٢).

وفَرَضَ عليه جهاد نفسِه في ذات الله، وجهاد شيطانه، فهذا كُلُّهُ فرضُ عينٍ لا ينوبُ فيه أحدٌ عن أحدِ.

وأمَّا جهادُ الكُفار والمنافقين، فقد يُكتفى فيه ببعضِ الأمَّةِ إذا حصلَ منهم مقصود الجهاد. وأكمل الخلق عند الله، مَن كَمَّلَ مراتبَ الجهاد كُلَّها، والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله، تفاوتهم في مراتب الجهاد، ولهذا كان أكمل الخلقِ وأكرمهم على الله، خاتِم أنبيائه ورسلِهِ، فإنَّه كمَّل مراتب الجهاد، وجاهد في الله حقَّ جهاده، وشَرع في الجهاد من حين بُعِثَ إلى أن توفاه الله -عزَّ وجلَّ-* (٣).


(١) البقرة: ٢١٨.
(٢) البخاري: ١، ومسلم: ١٩٠٧.
(٣) ما بين نجمتين من "زاد المعاد" (٣/ ٥ - ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>