للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العدوِّ؛ فأقول [الكلام لمُصنِّف الإنجاد]: أحوال الذي يَحْمِل وحده ثلاث:

حال اضطرار، وذلك حيث يحيط به العدوّ، فهو يخاف تَغَلُّبَهم عليه وأسْرَهُم إياه، فذلك جائزٌ أن يَحْمِل عليهم باتفاق.

وحالٌ يكون فيها في صفِّ المسلمين وَمَنَعتِهم، فيَحْمِل إرادةَ السُّمعة والاتصافَ بالشجاعة، فهذا حرام باتفاق.

وحالٌ يكون كذلك مع المسلمين، فيحمل غَضَباً لله، محُتَسِباً نفسه عند الله، ففي هذا اختلف أهل العلم، فمنهم مَن كَرِهَ حَمْلَه وحده، ورآه مما نهى الله عنه مِن الإلقاء باليد إلى التهلكة، ومنهم مَن أجاز ذلك واسْتَحْسَنه؛ إذا كانت به قُوّة، وفي فِعله ذلك منفعةٌ، إمَّا لنكاية العدوِّ أو تَجرئةِ المسلمين -حتى يفعلوا مِثل ما فَعَل- أو إرهابِ العدوِّ؛ ليعلموا صلابة المسلمين في الدين (١).


(١) وجاء في التعليق في الكتاب المذكور: تكاد تُجمِع كلمة الفقهاء على جواز ذلك، بل حكى ابن أبي زمنين في "قدوة الغازي" (ص ١٩٨) الإجماع عليه، ونصُّ عبارتِه: "قال ابن حبيب: ولا بأس أن يَحْملَ الرجل وحده على الكتيبة، وعلى الجيش؛ إذا كان ذلك منه لله، وكانت فيه شجاعةٌ وجَلَدٌ وقوةٌ على ذلك، وذلك حَسَنٌ جميل لم يكرهه أحدٌ من أهل العلم، وليس ذلك مِن التهلكة، وإذا كان ذلك منه للفخر والذِّكر فلا يفعل -وإنْ كانت به عليه قوة- وإذا لم يكن به عليه قوة فلا يفعل وإنْ أراد به الله؛ لأنه حيئذٍ يُلقي بيده إلى التهلكة" ...
وجاء في "البيان والتحصيل" (٢/ ٥٦٤) ما يلي: "قال أشهب: وسُئل مالك عن رجل من المسلمين يحمل على الجيش من العدوّ وحدَه، قال: قال الله -تعالى-: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} فجعَل كلَّ رجلٍ برجلين؛ بعد أنْ كان كلّ رجُلٍ بعشرة، فأخافُ هذا يلقي بيده إلى التهلكة، وليس ذلك بسواء أنْ يكون الرجل في الجيش الكثيف =

<<  <  ج: ص:  >  >>