للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: انسلخْتَ مِن قميصٍ ألبسَكَه اللهُ وأسماك به، ثمّ انطلقْتَ فحَكمْتَ في دين الله ولا حُكم إلاَّ لله، فلمّا أنْ بلَغَ عليّاً ما عتبوا عليه وفارقوه، أمَر فأَذّن مُؤذِّن: لا يدخُل على أمير المؤمنين إلاَّ رجلٌ قد حَمَل القرآن.

فلمّا أن امتَلأَ مِن قُرّاء الناس الدار؛ دعا بمُصحفٍ عظيم فوضَعَه عليٌّ -رضي الله عنه- بين يديه فطفِق يصكّه بيده، ويقول: أيّها المصحف حدِّث الناس، فناداه الناس، فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، ما تسأله عنه، إنما هو وَرَقٌ ومِداد، ونحن نتكلّم بما روينا منه فماذا تريد؟

قال: أصحابكم الذين خَرَجوا بيني وبينهم كتاب الله -تعالى-، يقول الله -عزّ وجلّ- في امرأةٍ ورجل: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله} (١) فأمّة محمّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعظمُ حرمةً مِن امرأةٍ ورجل.

ونقموا عليَّ أنّي كاتبْتُ معاويةَ وكتْبتُ عليَّ بن أبي طالب، وقد جاء سهيل ابن عمرو ونحن مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية حين صالح قومُه قريشاً، فكتبَ رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال سهيل: لا تكتب (بسم الله الرحمن الرحيم)، قال: فكيف أكتب؟ قال: اكتب باسمك اللهمّ. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اكتبه، ثمّ قال: اكتب: مِن محمّد رسول الله، قالوا: لو نعلم أنك رسول الله لم نخالفك، فكتب: هذا ما صالَح عليه محمّدُ بنُ عبدِ الله قريشاً.

يقول الله في كتابه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (٢).


(١) النساء: ٣٥.
(٢) الأحزاب: ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>