للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبعَث إليهم عليّ بن أبي طالب عبد الله بن عباس، فخرجْت معه حتى إذا توسَّطنا عسْكَرهم، قام ابن الكواء فخطَب الناس فقال: يا حَمَلَة القرآن إنّ هذا عبدُ الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه، فأنا أعرفه مِن كتاب الله هذا، مَن نَزَل في قومه: {بل هم قومٌ خصمون (١)} (٢) فرُدوه إلى صاحبه، ولا تواضعوه كتاب الله -عز وجل-، قال: فقام خطباؤُهم فقالوا: والله لنواضعنَّه كتاب الله، فإذا جاءنا بحقٍّ نعرفه اتبعناه، ولئن جاءنا بالباطل لنبكتنه بباطله، ولنردنّه إلى صاحبه، فواضَعوه على كتاب الله ثلاثة أيام.

فرجع منهم أربعة آلاف كلّهم تائب، فأقبل بهم ابن الكواء، حتى أدخَلَهم على عليّ -رضي الله عنه- فبعثَ عليٌّ إلى بقيّتهم، فقال: قد كان مِن أمرنا وأمْرِ الناس ما قد رأيتم، قِفوا حيث شئتم حتى تجتمعَ أمّة محمّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتنزلوا فيها حيث شئتم، بيننا وبينكم أن نقيَكم رماحنا؛ ما لم تقطعوا سبيلاً، وتطلبوا دَماً، فإنكم إنْ فعلتم ذلك فقد نبذْنا إليكم الحرب على سواء، إنّ الله لا يُحبّ الخائنين.

فقالت عائشة -رضي الله عنها-: يا ابن شداد فقد قَتَلَهُم؟ فقال: والله ما بعَث إليهم حتى قطَعُوا السبيل، وسفكُوا الدماء، وقَتلُوا ابن خباب واستحلّوا أهلَ الذمّة فقالت: آلله؟ قلتُ: آلله الذي لا إله إلاَّ هو لقد كان.


(١) عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما ضَل قومٌ بعد هُدًى كانوا عليه، إلاَّ أُوتُوا الجدَل، ثمّ تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}. أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (٢٥٩٣)، وابن ماجه "صحيح ابن ماجه" (٤٥)، "السُّنَّة" لابن أبي عاصم (١٠١).
(٢) الزخرف: ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>