للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقائلون بوجوبها من العلماء أفضل وأكثر، لكن لم يثبت عن النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه كان يجهر بها، وليس في "الصحاح" ولا في "السنن" حديث صحيح صريح بالجهر، والأحاديث الصريحة بالجهر كلّها ضعيفة؛ بل موضوعة؛ ولهذا لمّا صنّف الدارقطني مصنَّفاً في ذلك، قيل له: هل في ذلك شيء صحيح؟ فقال: أمّا عن النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا، وأمّا عن الصحابة فمنه صحيح، ومنه ضعيف.

ولو كان النّبيّ يجهر بها دائماً، لكان الصحابة ينقُلون ذلك، ولكان الخلفاء يعلمون ذلك، ولما كان الناس يحتاجون أن يسألوا أنس بن مالك بعد انقضاء عصر الخلفاء، ولما كان الخلفاء الراشدون ثمَّ خلفاء بني أميّة وبني العبّاس كلهم متفقين على ترك الجهر، ولما كان أهل المدينة -وهم أعلم أهل المدائن بسنّته- يُنكرون قراءتها بالكلية سرّاً وجهراً، والأحاديث الصحيحة تدل على أنّها آية من كتاب الله، وليست من الفاتحة، ولا غيرها".

قال ابن القيّم -رحمه الله-: "وكان يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" تارة، ويُخفيها أكثر مما يجهر بها، ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم وليلة خمس مرات أبداً، حضَراً وسفَراً، ويخفي ذلك على خلفائه الرَّاشدين، وعلى جمهور أصحابه، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا من أمحل المحال حتى يحتاج إِلى التشبُّث فيه بألفاظ مجملة، وأحاديث واهية، فصحيح تلك الأحاديث غير صريح، وصريحُها غير صحيح، وهذا موضع يستدعي مجلّداً ضخماً" (١).

قال شيخنا -حفظه الله تعالى- في "تمام المنّة" (١٦٩): "والحقّ أنَّه ليس


(١) "زاد المعاد" (١/ ٢٠٦)، تحقيق وتخريج وتعليق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط. جاء في التعليق (ص ٢٠٦) على الكتاب المذكور "الثابت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عدم =

<<  <  ج: ص:  >  >>