للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ سمعت جلبة موكب، فإذا هشام، فقال لي: يا رجاء، قد علمت موقعك منا، وإن أمير المؤمنين قد صنع شيئا ما أدري ما هو، وأنا أتخوف أن يكون قد أزالها عني، فإن يكن قد عدلها عني فأعلمني ما دام في الأمر نفس حتى أنظر، فقلت: سبحان الله، يستكتمني أمير المؤمنين أمرا أطلعك عليه! لا يكون ذا أبدا. قال: فأدارني ولاحاني، فأبيت عليه فانصرف، فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبة خلفي، فإذا عمر بن عبد العزيز وقال لي: يا رجاء، إنه قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل، أتخوف أن يكون قد جعلها إلي ولست أقوم بهذا الشأن، فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلي أتخلص منه ما دام حيا، قلت: سبحان الله، يستكتمني أمير المؤمنين أمرا أطلعك عليه! قال: وثقل سليمان، فلما مات أجلسته مجلسه وأسندته وهيأته وخرجت إلى الناس، فقالوا: كيف أصبح أمير المؤمنين؟ قلت: أصبح ساكنا، وقد أحب أن تسلموا عليه وتبايعوا بين يديه على ما في الكتاب، فدخلوا وأنا قائم عنده، فلما دنوا قلت: إنه يأمركم بالوقوف، ثم أخذت الكتاب من عنده وتقدمت إليهم وقلت: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب، فبايعوا وبسطوا أيديهم. فلما بايعتهم وفرغت قلت: آجركم الله في أمير المؤمنين. قالوا: فمن؟ ففتحت الكتاب فإذا فيه العهد لعمر بن عبد العزيز، فتغيرت وجوه بني عبد الملك، فلما سمعوا: وبعده يزيد بن عبد الملك كأنهم تراجعوا، فقالوا: أين عمر، فطلبوه فإذا هو في المسجد، فأتوه فسلموا عليه بالخلافة، فعقر به فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه، فدنوا به إلى المنبر وأصعدوه، فجلس طويلا لا يتكلم، فقال رجاء: ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه، فنهض القوم إليه فبايعوه رجلا رجلا ومد يده إليهم، قال: فصعد إليه هشام بن عبد الملك، فلما مد يده إليه قال: يقول هشام: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون، حين صار يلي هذا الأمر أنا وأنت. ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني لست بقاض ولكني منفذ، ولست بمبتدع ولكني متبع، وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم، وإن هم أبوا فلست لكم بوالٍ. ثم نزل فأتاه صاحب المراكب فقال: ما هذا؟ قال: مركب الخليفة. قال: لا حاجة لي فيه، ائتوني بدابتي، فأتوه بدابته فانطلق إلى منزله، ثم دعا بدواة فكتب بيده إلى عمال الأمصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>