للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للحجاج على الحيرة، وكان صهراً له، فبلغه عنه شيءٌ فعزله، فلما ورد عليه قال: أنت القائل:

حبذا ليلتي بحيث نسقى قهوةً من شرابنا ونغنى حيث دارت بنا الزجاجة حتى حسب الجاهلون أنا جننا ونزلنا بنسوةٍ عطراتٍ وسماعٍ وقرقفٍ فنزلنا

فقال: بل أنا القائل:

ربما قد لقيت أمس كئيباً أقطع الليل عبرةً ونحيبا أيها المشفق الملح حذاراً إن للموت طالباً ورقيبا فصل ما بين ذي الغنى وأخيه أن يعار الغني ثوباً قشيبا

فرق الحجاج ودمعت عينه، ثم حبسه، وبعث إلى أهل عمله يكشف عليه، فقالوا بينهم: هذا صهر الأمير، يغضب عليه اليوم، ويرضى عنه غداً، فلما دخلوا قال كبيرهم: ما ولينا أحدٌ قط أعف منه، فأمر بضرب الكبير ثلاث مائة سوطٍ، ثم سأل أصحابه، فرفعوا كل شيءٍ، فقال له الحجاج: ما تقول يا مالك؟ قال: أصلح الله الأمير، مثلي ومثلك ومثل هؤلاء، والمضروب مثل أسدٍ كان يخرج إلى الصيد فيصحبه ذئبٌ وثعلبٌ، فاصطادوا حمار وحشٍ وتيساً وأرنباً، فقال الأسد للذئب: من يكون القاضي؟ فقال: وما الحاجة إليه! الحمار لك، والتيس لي، والأرنب للثعلب، فضربه الأسد ضربة وضع رأسه بين يديه، ثم قال للثعلب: من يقسم هذا؟ قال: أنت، أصلحك الله، قال: بل أنت، أنا الأمير، وأنت القاضي، قال: فالحمار لغدائك، والتيس لعشائك، والأرنب تتفكه به، فقال: ويحك يا أبا الحصين، ما أعدلك! من علمك القضاء؟ قال: علمنيه رأس الذئب، فالشيخ المضروب هو الذي علم هؤلاء. فضحك الحجاج، ووصل المضروب، وخلى سبيل مالك.

رواها أيضاً عبد الله بن أبي سعد الوراق، عن أبي جعفر الضبي، عن عاصم بن الحدثان، عمن شهد الحجاج.

<<  <  ج: ص:  >  >>