للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن الأعرابي في طبقات النساك: كان الغالب على عبد الواحد العبادة والكلام في معاني الزهد، فارق عمرو بن عبيد لاعتزاله، وصحح الاكتساب، وقد نسب إلى القدر، ولكن ما كان الغالب عليه الكلام فيه. وتبعه خلق من النساك فنصب نفسه للكلام في مذاهبهم، ونأى عن المعتزلة، وعن أصحاب الحديث، قال: وقد كان مالك بن دينار، وثابت يقصان أيضا، إلا أنهما كانا من أهل السنة.

صحب عبد الواحد خلق كحيان الجريري، ورباح القيسي، وأما مقسم وعطاء السلمي فغلب عليهما الخوف حتى خيف على عقليهما، واعتزلا الناس، وكان عبد الواحد أشد افتتانا، وأدخل في معاني الخصوص والمحبة، وكان قد بقي عليه من رؤية الاكتساب شيء كما بقي عليه من أصول القدر، وذلك أن أهل القدر عندهم أنه لا ينجو إلا بالعمل، ومذهب السنة هو الاجتهاد في العمل، وأنه ليس هو الذي به ينجون دون رحمة الله، قال - عليه السلام -: لن ينجي أحدكم عمله. . . الحديث.

قال: وكان عبد الواحد قد ساح وسافر إلى الشام، ورأى ثابتا فتناقص عنه بعض القدر، وزعم أنه لا يقول: إن الله يضل تنزيها، وخفي عليه من قول القدرية أنهم يدبرون أنفسهم ويزكونها بأعمالهم لما كان يشاهد في معاملته لله ضرورة من موازين الأعمال وزيادة النفس والمواهب في القلوب، فعلم أن ذلك من فضل الله لا بما يستحق العبد فقال باللطف، وهو قول بين القولين، وأهل البصرة يسمونهم التتمية يعني النصفية، يقولون: ذهب عنهم نصف القدر؛ لأنهم يقولون: لا نقول إن العبد يزكي نفسه بعمله، وإنما ذلك تلطيف من الله، فباينوا القدرية في هذه.

وكان من قول أهل السنة الخصوص؛ أن الله يختص برحمته من يشاء، وأن أولياء الله لم يزالوا عند الله في علمه كذلك قبل أن يخلقهم، وكذلك أعداؤه.

إلى أن قال ابن الأعرابي: ومن قول أهل السنة إنه - تعالى - يخص ويعم، ويهدي ويضل، ويلطف ويخذل، وإن الناس يعملون فيما قد فرغ منه، فأهل

<<  <  ج: ص:  >  >>