للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الرشيد قد غضب على الفضل بن يحيى لتركه الشرب معه.

وكان الفضل يقول: لو علمت أن شرب الماء ينقص من مروءتي ما شربته، وكان مشغوفا بالسماع.

وأما جعفر فكان ينادم الرشيد، وأبوه يأمره بالإقلال من ذلك فيخالفه، وقد كان يحيى قال: يا أمير المؤمنين، أنا والله أكره مداخل جعفر معك، فلو اقتصرت به على الإمرة دون العشرة، قال: يا أبة، ليس هذا بك ولكنك تريد أن تقدم الفضل عليه.

قال ابن جرير: حدثني أحمد بن زهير، أظنه عن عمه زاهر بن حرب، أن سبب هلاك البرامكة أن الرشيد كان لا يصبر عن جعفر، وعن أخته عباسة بنت المهدي، قال: وكان يحضرهما مجلس الشراب، فقال: أزوجكها على أن لا تمسها، فكانا يثملان من الشرب وهما شابان، فيقوم الرشيد، فيثب جعفر عليها، فولدت منه غلاما، فخافت الرشيد، فوجهت بالطفل مع حواضن إلى مكة، واختفى الأمر، ثم ضربت جارية لها فوشت بها إلى الرشيد، فلما حج أرسل إلى الموضع الذي به الحواضن، وهم بقتل الصبي، ثم تأثم من ذلك، فلما رجع إلى الحيرة، وناحية الأنبار أرسل ليلة السبت لانسلاخ المحرم إلى مسرور الخادم ومعه أبو عصمة وأجناد، فأحاطوا بجعفر ليلا، فدخل عليه مسرور، وهو في مجلس لهوه، فأخرجه بعنف، وقيده بقيد حمار وأتى به، فأعلم الرشيد، فأمر بضرب عنقه، ففعل.

وحدث مسرور قال: وقع على رجلي يقبلها، وقال: دعني أدخل فأوصي، قلت: لا سبيل إلى ذلك، فأوص بما شئت، فأوصى، وأعتق مماليكه، ثم ذبحته بعد أن راجعت الرشيد فيه، وأتيته برأسه.

ثم وجه الرشيد جندا أحاطوا بأبيه، وبجميع أولاده ومواليه، وأخذت أموالهم وأملاكهم، وكتب إلى سائر العمال بقبض مالهم، وبعثت جثة جعفر إلى بغداد، فنصبت على خشبة، ونودي ألا لا أمان لمن أوى أحدا من البرامكة.

ثم أمر الرشيد يوم دخل الرقة بقتل أنس بن أبي شيخ، فقتل وصلب على الزندقة، وكان من أصحاب البرامكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>