للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتوكل تأتيه يسألونه عن خبره، ويصيرون إليه فيقولون: هو ضعيف. وفي خلال ذلك يقولون: يا أبا عبد الله لا بد من أن يراك.

وجاءه يعقوب فقال: يا أبا عبد الله، أمير المؤمنين مشتاق إليك ويقول: انظر يوما تصير فيه أي يوم هو حتى أعرفه. فقال: ذاك إليكم. فقال: يوم الأربعاء يوم خال. وخرج يعقوب، فلما كان من الغد جاء فقال: البشرى يا أبا عبد الله، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: قد أعفيتك عن لبس السواد والركوب إلى ولاة العهود وإلى الدار. فإن شئت فالبس القطن، وإن شئت فالبس الصوف. فجعل يحمد الله على ذلك. ثم قال يعقوب: إن لي ابنا وأنا به معجب، وإن له من قلبي موقعا، فأحب أن تحدثه بأحاديث. فسكت، فلما خرج قال: أتراه لا يرى ما أنا فيه؟! وكان يختم من جمعة إلى جمعة. فإذا ختم دعا فيدعو ونؤمن، فلما كان غداة الجمعة وجه إلي وإلى أخي، فلما ختم جعل يدعو ونحن نؤمن، فلما فرغ جعل يقول: أستخير الله، مرات. فجعلت أقول ما يريد. ثم قال: إني أعطي الله عهدا، إن عهده كان مسؤولا. وقال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} إني لا أحدث حديث تمام أبدا حتى ألقى الله، ولا أستثني منكم أحدا. فخرجنا وجاء علي بن الجهم، فأخبرناه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وأخبر المتوكل بذلك وقال: إنما يريدون أحدث ويكون هذا البلد حبسي. وإنما كان سبب الذين أقاموا بهذا البلد لما أعطوا فقبلوا وأمروا فحدثوا. وجعل أبي يقول: والله لقد تمنيت الموت في الأمر الذي كان، وإني لأتمنى الموت في هذا، وذلك لأن هذا فتنة الدنيا، وذاك كان فتنة الدين، ثم جعل يضم أصابعه ويقول: لو كان نفسي في يدي لأرسلتها. ثم يفتح أصابعه. وكان المتوكل يوجه في كل وقت يسأله عن حاله، وكان في خلال ذلك يأمر لنا بالمال ويقول: يوصل إليهم، ولا يعلم شيخهم فيغتم. ما يريد منهم؟ إن كان هو لا يريد الدنيا، فلم يمنعهم؟ وقالوا للمتوكل: إنه لا يأكل من طعامك، ولا يجلس على فراشك، ويحرم الذي تشرب. فقال لهم: لو نشر لي المعتصم وقال فيه شيئا لم أقبل منه.

قال صالح: ثم انحدرت إلى بغداد، وخلفت عبد الله عنده، فإذا عبد الله قد قدم، وجاء بثيابي التي كانت عنده. فقلت: ما جاء بك؟ فقال: قال لي: انحدر، وقل لصالح لا يخرج، فأنتم كنتم آفتي. والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أخرجت واحدا منكم معي. لولاكم لمن كانت توضع هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>