للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي القاسم الكعبي أنه قال يومًا: رأيت لكم شيخًا ببغداد يقال له: الجنيد، ما رأت عيناي مثله؛ كان الكتبة، أي كتاب الترسل يحضرونه لألفاظه، والفلاسفة يحضرونه لدقة معانيه، والمتكلمون يحضرونه لزمام علمه، وكلامه بائن عن فهمهم وعلمهم.

وقال الخلدي: لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير الجنيد، كانت له حال خطيرة وعلم غزير. فإذا رأيت حاله رجحته على علمه، وإذا رأيت علمه رجحته على حاله.

وقال أبو سهل الصعلوكي: سمعت أبا محمد المرتعش يقول: قال الجنيد: كنت بين يدي السري السقطي ألعب وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة يتكلون في الشكر.

فقال: يا غلام، ما الشكر؟ قلت: أن لا يعصى الله بنعمه. فقال: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك.

قال الجنيد: فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها لي.

وقال السلمي: سمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول: كان الجنيد يجيء فيفتح حانوته، ويدخل فيسبل الستر، ويصلي أربعمائة ركعة.

وعن الجنيد قال: أعلى درجة الكبر أن ترى نفسك، وأدناها أن تخطر ببالك، يعني نفسك.

وقال الجريري: سمعته يقول: ما أخذنا التصوف عن القال والقيل، لكن عن الجوع، وترك الدنيا، وقطع المألوفات.

وذكر أبو جعفر الفرغاني أنه سمع الجنيد يقول: أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب جل جلاله من القلب، والقلب إذا عري من الهيبة عري من الإيمان.

ويقال: كان نقش خاتمه: إن كنت تأمله فلا تأمنه.

وعنه قال: من خالفت إشارته معاملته فهو مدع كذاب.

وقال أبو علي الروذباري: قال الجنيد: سألت الله أن لا يعذبني بكلامي، وربما وقع في نفسي أن زعيم القوم أرذلهم.

وعن الخلدي، عن الجنيد قال: أعطي أهل بغداد الشطح والعبارة، وأهل خراسان القلب والسخاء، وأهل البصرة الزهد والقناعة، وأهل الشام

<<  <  ج: ص:  >  >>