للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدثني حمد بن الحلاج، وذكر فصلا قد تقدم قطعة منه، إلى أن قال: حتى أخذه السلطان وحبسه، فذهب نصر القشوري واستأذن الخليفة أن يبني له بيتا في الحبس، فبنى له دارا صغيرة بجنب الحبس، وسدوا باب الدار، وعملوا حواليه سورا، وفتحوا بابه إلى الحبس، وكان الناس يدخلون عليه سنة، ثم منعوا، فبقي خمسة أشهر لا يدخل عليه أحد، إلا مرة رأيت أبا العباس بن عطاء الأدمي دخل عليه بالحيلة. ورأيت مرة أبا عبد الله بن خفيف وأنا برا عند والدي بالليل والنهار عنده. ثم حبسوني معه شهرين، وعمري يومئذ ثمانية عشر عاما. فلما كانت الليلة التي أخرج من صبيحتها، قام فصلى ركعات، ثم لم يزل يقول: مكر مكر؛ إلى أن مضى أكثر الليل. ثم سكت طويلا ثم قال: حق، حق. ثم قام قائما، وتغطى بإزار، واتزر بمئزر، ومد يديه نحو القبلة، وأخذ في المناجاة. وكان خادمه حاضرا، فحفظنا بعضها. فكان من مناجاته:

نحن شواهدك، نلوذ بسنا عزتك، لتبدي ما شئت من شأنك ومشيئتك، أنت الذي في السماء إله وفي الأرض إله، يا مدهر الدهور، ومصور الصور، يا من ذلت له الجواهر، وسجدت له الأعراض، وانعقدت بأمره الأجسام، وتصورت عنده الأحكام. يا من تجلى لما شاء، كما شاء، كيف شاء، مثل التجلي في المشيئة لأحسن الصورة. وفي نسخة: مثل تجليك في مشيئتك كأحسن الصورة. والصورة: هي الروح الناطقة التي أفردته بالعلم والبيان والقدرة. ثم أوعزت إلى شاهدك الآني في ذاتك الهوى اليسير لما أردت بدايتي، وأظهرتني عند عقيب كراتي، ودعوت إلى ذاتي بذاتي، وأبديت حقائق علومي ومعجزاتي، صاعدا في معارجي إلى عروش أوليائي، عند القول من برياتي، إني أحتضر وأقتل وأصلب وأحرق، وأحمل على السافيات الذاريات. وإن لذرة من ينجوج مظان هيكل متجلياتي لأعظم من الراسيات.

ثم أنشأ يقول:

أنعى إليك نفوسا طاح شاهدها فيما وراء الغيب أو في شاهد القدم أنعى إليك قلوبا طالما هطلت سحائب الوحي فيها أبحر الحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>