للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإرهاب، لتنهك جسمه العملاق في النهاية. وفي نوفمبر ١٧٢٤ قفز إلى النيفا المتجمد ليساعد على إنقاذ ملاحين على سفينة جانحة. وظل يعمل طوال الليل في مياه غمرته حتى خصره. وفي الغد أصيب بحمى، ولكنه شفي منها، واستأنف برنامجاً حافلاً بألوان النشاط. وفي ٢٥ يناير لزم فراشه أثر التهاب مؤلم في المثانة. وأبى أن يسلم بأن منيته دنت حتى ٢ فبراير، فاعترف ببعض ذنوبه، وتناول الأسرار المقدسة. وفي السادس من الشهر وقع إعلاناً بتحرير جميع السجناء فيما خلا المحكوم عليهم لجرائم القتل أو لجرائم ضد الدولة. وقد روع أتباعه بصرخات الألم. وطلب لوحاً يكتب عليه وصيته، ولكن ما إن كتب هاتين الكلمتين "أعطوا جميع" حتى وقع القلم من يده. وسرعان ما انتابته غيبوبة دامت ستاً وثلاثين ساعة، ولم يفق منها قط. وأذيع نبأ موته في ٨ فبراير ١٧٢٥، وكان يومها في الثانية والخمسين.

وتنفست روسيا الصعداء كأن كابوساً طويلاً رهيباً قد أنجب عن صدرها آخر الأمر. وابتهج ملكا السويد وبولندة، وتوقعا أن تتردى روسيا في مهاوي الفوضى، وتكف عن أن تكون خطراً يهدد الغرب. ورفعت روسيا القديمة، روسيا العصور الوسطى، عقيرتها وطلبت عوداً إلى الماضي. لقد دفعت الأمة دفعاً مفرطاً في العنف، وأؤذيت في روحها وكبريائها بهذا التقليد الأعمى للغرب. وانتشرت الرجعية انتشاراً واسعاً وانتصرت، وترك الكثير من الإصلاحات ليموت من افتقاره إلى التأييد. واختزلت البيروقراطية الإدارية، ولكن إطارها احتفظ بحياته حتى ١٩١٧، واستعاد النبلاء الكثير من سلطانهم القديم، واستردوا حقوقهم فيما تحويه وأراضيه من أخشاب ومعادن. أما الطبقة الصناعية والتجارية التي طفر بها بطرس فقد عادت إلى خضوعها الماضي. وأنهار الكثير من الصناعات الجديدة بسبب النقص في الآلات، أو العجز في العمال أو الإدارة. واضمحلت الرأسمالية الوليدة، وظلت روسيا الاقتصادية مائتي عام أخرى كما كانت أساساً قبل الثورة البطرسية. أما الإصلاحات التجارية فكانت أوفر حظاً، فاستمرت التجارة مع الغرب في ازدياد مطرد، وأثمرت الاتصالات بأوربا شيئاً من التهذيب في السلوك، ولكن الأزياء الوطنية القديمة