كتاب قصة الحضارة

على مسافة معقولة منهم، تلتزم الصمت، حكمة وحزماً منها، منهمكة في أشغال الإبرة، كان لويس "أحياناً يتجه إليها ويسألها رأيها (١٣) " وأطلق عليها المتشككون "سيدة اللحظات الراهنة" مقدرين أنها لن تلبث حتى ينضم إليها المنافسات أو يجلينها عن مكانتها ليحللن محلها، ولكن على النقيض من ذلك، ظل الملك الزوج المحب الوفي لها حتى وفاته.

وعظم نفوذها عاماً بعد عام. وكان مقروناً بالخير والإحسان قدر ما سمحت به تقواها. وحاولت أن تحد من إسراف الملك وتبذيره، وأن تصرفه عن الحرب. ومن هنا كان عداء لوفوا لها. ووفرت دي مينتنون إعانات ملكية للصدقات والمستشفيات والأديار، ومساعدة النبلاء المفلسين، ومهور البنات (١٤) ولم يحظ بالترشيح للوظائف من جانبها إلا الكاثوليك الأخيار، وكست التماثيل العارية والصور الزيتية العادية التي ازدان بها قصر فرساي بالأستار أو النباتات المعترشة (١٥). وحولت كنيسة سان سير إلى دير (١٦٩٣) أغلقت أبوابه بعد ذلك أمام العالم. وأصبحت هي نفسها راهبة في قصر، "كانت قعيدة القصر تقضي الساعات وحيدة، ومن ثم بدت وكأن لها قدماً في الدير (١٦) ".

وبدأ الملك بالسخرية من تقواها، وانتهى بتقليدها في هذا التواضع. وابتهج القساوسة المحيطون به ليروا مداومته على تأدية طقوس العبادة، ولكن زوجته كانت تفهمه فهماً جيداً، فقالت "أن الملك لا يخطأ موضعاً في الصليب، أو موقفاً للكفارة أبداً، ولكنه لا يستطيع أن يدرك الحاجة إلى الخشوع أو إلى إذلال نفسه حتى تتجلى فيه الروح الحقيقية للتوبة والندم (١٧) ". وكان البابا اسكندر الثامن راضياً على أية حال، وهنا مدام دي مينتنون على هداية الرجل الفرنسي الذي كان يوماً معادياً للبابوية، وربما زاد من تقوى الملك اعتلال صحته وضعف جسمه بعد ١٦٨٠، ومعاناته من ناسور في الشرج، حيث ذكره هذا كله بأنه فان. وفي ١٨ نوفمبر ١٦٨٦ استسلم لعملية أليمة، احتملها في شجاعة أملاها عليه وعيه الطبقي أو إدراكه أنه ملك لا ينبغي أن يخور أو يضعف. ولفترة من الوقت ابتهج الائتلاف المعادي لفرنسا للشائعات التي راجت بأنه على وشك أن يقضي نحبه (١٨). ولكنه بقي على قيد الحياة. وعندما قصد كنيسة نوتردام (٣٠ يناير