للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حد لا يطاق، ولكنه يسلم أن إلهه غير مفهوم بتاتاً للعقل البشري (١١٢). ويلوم كليانثيس ديميا على محاولته تفسير غير المفهوم بغير المفهوم، ويؤثر أن يثبت وجود الله بأدلة القصد في الطبيعة. أما فيلو فيسخر من الحجتين، ويزعم أن العقل لا يمكن أبداً أن يفسر العالم أو يثبت وجود الله. "فأي امتياز خاص تمتاز به حركة الدماغ الصغيرة هذه التي نسميها الفكر، حتى يتحتم علينا أن نجعلها نموذجاً للكون كله؟ (١١٣) ". وأما عن القصد، فإن تكييف الأعضاء لتلائم الأغراض ربما لم ينشأ عن إرشاد إلهي، بل عن تجارب الطبيعة، البطيئة المتخبطة، خلال آلاف السنين (١١٤). (هنا نجد "الانتخاب الطبيعي" بعد ١. ٨٠٠ سنة من لوكرينيوس، وقبل ١٠٨ سنة من داروين). وحتى لو سلمنا بالقصد فوق الطبيعي، فإن قصور التكييفات وعيوبها، وآلاف الآلام في دنيا الإنسان والحيوان، تكشف لنا- على أحسن الفروض- عن إله محدود القدرات والذكاء، أو إله غير مكترث للبشر بتاتاً. "فحياة الإنسان في النهاية ليست أعظم أهمية للكون عن حياة المحارة (١١٥) " يقول:

"يخيل للمرء أن هذا الإنتاج الفخم لم يتلق آخر اللمسات من خالقه، فكل جزء فيه ناقص الصقل جداً، والخطوط التي نُفذ بها غاية في الخشونة. فالرياح مثلاً تساعد الناس على الملاحة، ولكن وما أكثر أن تصبح مؤذية حين تنقلب زوابع وأعاصير! والأمطار ضرورية لتغذية جميع نباتات الأرض وحيواناتها، ولكن ما أكثر ما تكون شحيحة وما أكثر ما تكون مسرفة! … ليس في الكون شيء كثير النفع إلا انقلب المرة بعد المرة مؤذياً لإفراطه أو قصوره، ثم أن الطبيعة لم تتخذ حيطتها بالدقة المطلوبة من جميع ألوان الخلل أو الفوضى (١١٦) ".

وأسوأ من هذا أن الأمر لا يقتصر على وجود الخلل وسط النظام (إذا نظرنا إلى العالم على أنه مخطط)، بل إن في وسط الحياة الزاخرة صراعاً عقيماً على الدوام مع الموت.