للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت الخضراوات ضرباً من الترف في المدينة حيث كان يصعب الاحتفاظ بها طازجة. وانتشر أكل السمك "الأنقليس". وكان بعض السادة الكبار ينفقون ٥٠٠ ألف جنيه سنوياً على المطبخ، وأنفق أحدهم ٧٢ ألف جنيه على مأدبة عشاء أعدها للملك والحاشية. وكان رئيس الخدم في البيوتات الكبيرة شخصية مهيبة تثير الإعجاب، يلبس ثياباً فاخرة ثمينة، ويحمل سيفاً، ويتألق في إصبعه خاتم من الناس. وكانت النساء الطباخات موضع ازدراء واحتقار، وكم طمع الطباخون وجهدوا في ابتداع أطباق جديدة ليخلدوا أسماء سادتهم، فأكلت فرنسا طبق شرائح لحم العجل المنظر الجميل (بل في) -قصر مدام دي بمبادور المفضل لديها-"ودجاج فيلروا" وصلصة الميونيز، تخليداً لذكرى انتصار ريشيليو في "ماهون" (٣٢). وكانوا يتناولون الأكلة الرئيسية في الساعة الثالثة أو الرابعة بعد الظهر، والعشاء في التاسعة أو العاشرة ليلاً.

وكانت القهوة آنذاك تنافس النبيذ شراباً. ولا بد أن ميشيليه (المؤرخ الفرنسي ١٧٩٨ - ١٨٧٤) أحب القهوة كثيراً، حيث رأى أن تزايد تدفق البن من شبه الجزيرة العربية والهند وجزيرة البوريون والبحر الكاريبي أسهم في انتعاش الروح الذي ميز عصر الاستنارة (٣٣). وكانت كل صيدلية تبيع البن حبوباً أو القهوة المعدة للشراب على المنضدة الطويلة بداخلها. وفي ١٧١٥ كان في باريس ٣٠٠ مقهى، وفي ١٧٥٠ زادت إلى ٦٠٠، كما وجد منها عدد مناسب في كل مدينة في الأقاليم وفي مقهى "بروكوب" وكان يسمى أيضاً "كاف الكهف لأنه كان دائماً مظلماً" كان ديدرو ينشر أفكاره، كما كان فولتير يقصد إليه متنكراً ليسمع التعليقات على أحدث رواياته. وكان مثل هذا المقهى منتدى العامة حيث يلعبون الشطرنج أو "الضامة" أو "الدومينو"، وفوق هذا وذاك يتجاذبون أطراف الحديث لأن الناس ازداد شعورهم بالوحدة والوحشة بازدياد السكان في المدن.

وكانت الأندية عبارة عن مقاه خاصة، عضويتها مقيدة، وتغلب عليها رعاية مصالح من نوع محدد. وحوالي ١٧٢١ أسس الراهب آلاري نادي