للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما ورد في إنجيل متى". ولقد كان تلحين قصة آلام المسيح وموته القرون الطوال جزءاً من الطقس الكاثوليكي. واقتبس كثير من الملحنين البروتستنت صيغة الكنتاتا لهذا الغرض، واستخدم أثنان منهم قبل باخ إنجيل القديس متى نصاً لهما (٥٩). وكتب باخ على الأقل ثلاثة من ألحان الآلام، متبعاً فيها على التوالي روايات يوحنا (١٧٢٣)، ومتى (١٧٢٩)، ومرقص (١٧٣١). ولم يتخلف من اللحن الثالث غير قطع متناثرة. ولحن الآلام على رواية يوحنا يشوبه تعاقب غير منطقي للمناظر وخلط بين الأحداث، ونزوع تيوتوني إلى الخطب الراعدة، ولكن الأجزاء الأخيرة منه تخف إلى رقة ورهافة في الشعور، وعمق حزين في التأمل، بلغ غاية ما تبلغه الموسيقى تأثيراً في النفس .. ولحن Es ist vollbracht ( قد أكمل) ترجمة عميقة لأخطر حدث في قصة المسيح، وما من امتحان للملحن أو المصور أعسر من هذا.

وفي عصر يوم الجمعة الكبيرة، ١٥ أبريل ١٧٢٩، في كنيسة توماس بليبزج، أخرج باخ أعظم ألحانه قاطبة. وقد أتيح له في هذا اللحن "لحن الآلام على رواية متى، نص ألماني جيد، بنى على رواية متى الكاملة نسبياً، ورتبة أديب محلي يدعى كرستيان فردريك هنريكي، الملقب "بيكاندر". ويبدو أن باخ نفسه كتب النص لعدة كوارس وقد ظنها البعض قطعاً لا مبرر له لقصة الإنجيل، ولكنها كالكورس في المسرحية اليونانية تثري الدراما بالتعقيب والشرح، وإيقاعاتها الحزينة تعبر عن عواطفنا وتطهرها- وهما وظيفتان للفن الاسمي. وإذا كان الكثير جداً من موسيقى باخ إعلاناً للبراعة أو القوة، فإن لحن الآلام على رواية متى كله تقريباً هو صوت الأسى، أو العرفان، أو المحبة-في قرار الكورال المتكرر، الحزين، الرقيق، وفي رفاهة الألحان، وفي أنغام الفلوت الملازمة ترنم كأنها آتية من عالم آخر، وفي الضبط الوقور للأدوار المصاحبة التي تلتف حول الكلمات ووسط الأحداث كأنها زخارف مذهبة مفضضة في كتاب قداس من العصر الوسيط. هنا يفتح لنا باخ أعماقاً من الوجدان والمغزى لا تنكشف في مكان آخر إلا في الرواية الأصلية ذاتها، فهذه المأساة مازالت