للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإشراف تفصيلاً. وفرضت أحكام تتفاوت بين الوضع في المشهرة والجلد، وبين التشغيل تسع سنين في سفن الأسرى والعبيد عقاباً على شراء أو بيع نسخ من قصيدة فولتير "لابوسيل" أو "قاموسه الفلسفي". وفي ١٧٦٢ كتب دالامبير إلى فولتير يقول: "إنك لا تتصور مبلغ الهياج الذي بلغته محكمة التفتيش (في فرنسا). فإن مفتشي الفكر … يحذفون من جميع الكتب ألفاظاً مثل "الخرافة" و"التسامح" و "الاضطهاد" (١٣). واشتدت الكراهية في طرفي الصراع بين الدين والفلسفة؛ وما بدأ حملة على الخرافة تصاعد حتى أصبح حرباً على المسيحية. وقد نشبت الثورة في فرنسا، لا في إنجلترا القرن الثامن عشر، من بعض الوجوه لأن رقابة الدولة أو الكنيسة، التي كانت معتدلة في إنجلترا، اشتدت في فرنسا إلى حد استحال معه على العقل الحبيس أن ينطلق إلا بتحطيم أغلاله تحطيما عنيفاً.

واحتج "الفلاسفة" (وهو اصطلاح يراد به الفلاسفة الفرنسيون الذين شاركوا في الهجوم على المسيحية) على الرقابة لأنها تحكم على الفكر الفرنسي بالعقم. ولكنهم هم أنفسهم كانوا أحياناً يطلبون إلى الرقيب أن يكبح جماح خصومهم. مثال ذلك أن دالامبير رجا مالزيرب أن يصادر مجلة فريرون المسماة "عدو الفيلسوف"، و"العام الأدبي". ولكن مالزيرب أبى رغم ميله للفلاسفة (١٤). وطلب فولتير إلى الملكة أن تحظر تمثيل تقليد ساخر لمسرحيته "سميراميس"، فلم تشأ حظرها، ولكن بومبادور حظرتها (١٥).

واحتال الفلاسفة أثناء ذلك بشتى الطرق لتفادي الرقابة فأرسلوا مخطوطاتهم إلى الناشرين الأجانب، عادة إلى أمستردام، أو لاهاي، أو جنيف؛ ومن هناك كانت كتبهم بالفرنسية تستورد بالجملة إلى فرنسا، فتصل كل يوم تقريباً بالمراكب إلى بوردو أو غيرها من الموانئ على الساحل أو الحدود الفرنسية. وكان الباعة يطوفون بها من شاع إلى شارع، ومن بلد إلى بلد، متخفية وراء عناوين بريئة. وسمح بعض النبلاء الذين لم يكونوا شديدي الإخلاص للحكومة الممركزة ببيع هذه الكتب في أرضهم (١٦). ونجت رسائل فولتير، التي وحدت الحملة الفلسفية من كثير من الرقابة لأن صديقه داميلافيل شغل حيناً منصباً في إدارة المالية، فاستطاع أن يصدق بختم الرقيب العام على رسائل فولتير وشركائه وطرودهم (١٧). وقرأ