للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولسنا نجد في صفحات كتاب زوماتشين شيئاً من تألق تين Taine، ولا ثرثرة ساحرة أو قصصا طريفة مكتوبة بأسلوب هيرودوت، ولا تعاقبا للعلة والمعلول كما نجدها في توكيديد Thucydides، ولا نظرة واسعة الآفاق في لغة موسيقية كما نجد في ِجبُن Gibbon. ذلك أن التاريخ قلما يرتفع في الصين من صناعة إلى فن.

وقد ظل المؤرخون الصينيون من أيام زوماتشين إلى أيام سميه زوما جوانج الذي حاول بعد أحد عشر قرناً أن يكتب مرة أخرى تاريخاً عاماً للصين، نقول ظل هؤلاء المؤرخون يكدحون ليدونوا في صدق وإخلاص حوادث أسرة حاكمة أو ملك من أسره. وكثيراً ما أضاعوا في هذا العمل كل ما كان لهم من مال، بل إنهم أضاعوا فيه أحياناً حياتهم نفسها؛ وكانوا ينفقون جهودهم كلها في سبيل الحقيقة لا يبغون عنها بديلاً، ولم يدخروا شيئاً من هذه الجهود ينفقونه في جمال الأسلوب، ولعهم كانوا في عملهم هذا على حق، ولعل التاريخ ينبغي أن يكون علماً لا فناً، ولربما كانت حوادث الماضي يعتريها الغموض إذا وصلت إلينا في زينة ِجبُن أو في مواعظ كارليل.

ولم تخل بلادنا نحن (١) أيضا من مؤرخين ثقال، وفي وسعنا أن ننافس أية أمة من الأمم في عدد المجلدات التي خصصت لتسجيل - وجمع - أتفه الأشياء.

أما المقالة الصينية فهي أجمل من التاريخ الصيني وأعظم منه بهجة. ذلك أن الفن فيها غير محرم والفصاحة مطلقة العنان. وأوسع كتاب المقالات شهرة هان يو العظيم الذي يقدر الصينيون كتبه أعظم تقدير، ويجلونها إجلالا بلغ من قدره أنهم يطلبون إلى من يقرؤها أن يغسل يديه بماء الورد قبل أن يمسها.

وكان هان يو وضيع المولد ولكنه وصل إلى أرقى المراتب في خدمة الدولة، ولم يغضب عليه الإمبراطور إلا لأنه احتج احتجاجاً شديداً صريحاً على تسامحه


(١) يقصد أمريكا (المترجم)