للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(١٧٦٥) خلفه دوقاً أكبر ابنه الأصغر ليوبولد، الذي تطور حتى أصبح واحداً من أجرأ وأشجع "المستبدين المستنيرين". كبح الفساد في المناصب، وأصبح القضاء والإدارة المالية، وسوى بين الناس في الضرائب، وألغى التعذيب والمصادرة وحكم الإعدام، وأعان الفلاحين، وجفف المستنقعات، وأنهى الاحتكارات، ونشر حرية التجارة وحرية المؤسسات التجارية، وسمح للكومونات بالحكم الذاتي، وتطلع إلى وضع دستور شبيه بالدساتير الديمقراطية للدوقية. وقد راع جوته ما شهده من نظافة المدن التوستانية النسبية وصلاحية الطرق والكباري، وجمال الأشغال العامة وفخامتها (٩). وحين أصبح يوزف أخو ليوبولد إمبراطوراً أوحد، أعان ليوبولد على إلغاء معظم الامتيازات الإقطاعية في تسكانيا، وإغلاق كثير من الأديرة، والحد من سلطة الأكليروس.

وفي ميدان الإصلاحات الكنسية تلقى ليوبولد تعاوناً صادقاً من سكبيوني دي ريكي أسقف بستويا وبراتو. وكان في تسكانيا عرف قاسي يقضي على جميع الفتيات اللاتي لا مهور لهن بالرهبة، وانضم ريكي إلى الدوق الكبير في رفع السن الدنيا لنذر الرهبنة وتحويل الكثير من الأديرة إلى مدارس للبنات. واتخذت التدابير لنشر التعليم غير الديني بإحلال المدارس العلمانية محل مدارس اليسوعيين. وكان ريكي يتلو القداس بالإيطالية. ويقاوم الخرافات، المر الذي أساء كثيراً إلى جماهير الشعب. فلما شاع أنه ينوي إزالة "حزام العذراء مريم" الشهير في براتو لأنه زائف، أحدث الشعب شغباً ونهبوا قصر الأسقف. على أن ريكي دعا رغم ذلك مجمعاً أسقفياً انعقد في بستويا عام ١٧٨٦ وأعلن مبادئ تذكر بـ"المواد الغالية" الصادرة في ١٦٨٢. ومفادها أن السلطة الزمنية مستقلة عن السلطة الروحية (أي أن الدولة مستقلة عن الكنيسة)، وأن البابا عرضة للخطأ حتى في الأمور المتصلة بالعقيدة.

وكان ليوبولد يحيا حياة البساطة، وأحبه الناس لطباعه الفطرية غير المتكلفة. ولكن حين امتد حكمه وأرهقته خصومة السنين بات ظنوناً معتزلاً الناس، واستخدم عدداً غفيراً من الجواسيس ليكونوا له عيوناً على مساعديه