للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنقه انحنى في خضوع واحترام نحو الجنوب كأن الإمبراطور من آل سونج لا يزال يحكم في نانكنج العاصمة الجنوبية (٧).

ومع هذا فقد أوتي كوبلاي من الحكمة ما جعله يعترف بتفوق الصينيين على المغول في ميدان الحضارة، ويعمل من أجل هذا على مزج عاداتهم بعادات أهل بلاده. وكان لابد له أن يلغي نظام تقلد المناصب العامة بالامتحان، وذلك لأنه لو أتبع هذا النظام لكان جميع الموظفين في حكومته من الصينيين، ثم قصر معظم الوظائف الكبرى على أتباعه من المغول وحاول وقتاً ما أن يدخل إلى البلاد الحروف الهجائية المغولية، ولكنه قَبِل هو وأتباعه في معظم شئونهم حضارة الصين، وما لبثوا أن استحالوا بفضل هذه الحضارة أمة صينية. ومما يذكر له أن أباح ما كان في الصين من ديانات وشجع دخول الديانة المسيحية في البلاد لأنه رأى فيها أداة صالحة لتهدئتها وبسط سلطانه عليها. وأعاد فتح القناة العظمى بين تينتسين وهنجتشاو، وأصلح الطرق الكبرى وأنشأ نظاماً سريعاً للبريد في أقاليم أوسع رقعة من البلاد التي خضعت لحكومة الصين مذ جلس على عرشها، وأقام في البلاد أهراء عامة عظيمة ليخزن فيها ما يفيض عن حاجة البلاد من المحصولات الزراعية ليوزعها على الأهلين في أيام القحط، وألغى الضرائب عن جميع الزراع الذين أضر بمزروعاتهم الجفاف والعواصف والحشرات (١)، وأوجد نظاماً تعين الدولة بمقتضاه الشيوخ من العلماء والأيتام والعجزة، وكان سخياً في تشجيع التعليم والآداب والفنون وبسط رعايته عليها. وقد عدل التقويم في أيامه، وافتتح المجمع العلمي الإمبراطوري (٩)، وشاد عاصمة جديدة للبلاد في بيكين كانت لروعتها وكثرة


(١) وقد كتب ماركو بولو في ذلك يقول: "لا يكاد يمضي يوم واحد لا يوزع فيه الموظفون المختصون ملء عشرين ألف وعاء من الأرز والذرة والثمام. وقد كان لهذا الكرم العظيم المدهش الذي يعامل به الخان العظيم الفقراء من أهل البلاد أعظم الأثر في نفوس الناس جميعاًً فأحبوه وأجلوه.