للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد سخر شامفور من العقل، وهو الذي جاء في ختام عصر العقل، ورأى فيه سيداً على العاطفة أقل منه أداة للشر. "أن الإنسان في حالة المجتمع الراهنة يبدو أكثر فساداً بسبب عقله منه بسبب عواطفه المشبوبة" (٨٣). أما عن النساء "فمهما بلغ سوء أي رأي الرجل فيهن، فما من امرأة لا يسوء رأيها فيهن على رأيه" (٨٤). والزواج فخ، "أن الزواج والعزوبة كليهما مجلبة للعناء: وينبغي أن نفضل منهما ما ليست متاعبه بغير دواء" (٨٥). "أن النساء لا يمنحن للصداقة إلا ما يقترضنه من الحب" (٨٦). و "الحب الذي يوجد في المجتمع ليس إلا تبادل أوهام واحتكاك بشرتين" (٨٧).

فلما خرج شامفور من القصور والبيوت الفاخرة إلى شوارع باريس اشتد تشاؤمه. "باريس، مدينة اللهو واللذة، حيث يموت أربعة أخماس الناس حزناً … المكان الذي تفوح نتنه وليس فيه إنسان ينبض قلبه بالحب" (٨٨).

والعلاج الوحيد لهذه الأحياء الفقيرة هو العقم. "من سوء حظ النوع الإنساني، وحسن حظ الطغاة، أن الفقراء والتعساء لا يملكون غريزة الكبرياء التي يملكها الفيل، فهو لا يتوالد وهو أسير"(٨٩).

وكان أحياناً يسترسل في الحلم بمثل أعلى "من الضروري الجمع بين النقائض: حب الفضيلة دون اكتراث للرأي العام، والميل للعمل دون اكتراث للشهرة، وحب المرء لصحته دون اكتراث للحياة" (٩٠). وقد خطر له في بضع سنين أن يضفي على الحياة معنى بتكريس نفسه للثورة، ولكن خمس سنين من التعامل مع ميرابو، ودانتون، ومارا، وروبسبيير، أحيت يأسه من جديد وبدا له يومها أن شعار الثورة "الحرية، والمساواة، والإخاء" أصبح معناه "كن أخي وإلا قتلتك" (٩١). واختار الانضمام إلى صفوف الجبروند، وراح يسوط الزعماء الأكثر تطرفاً بدعابته المتهورة. فقبض عليه، ثم أفرج عنه بعد قليل. فلما رأى نفسه مهدداً بالقبض عليه ثانية، ضرب نفسه بالرصاص وطعن نفسه. ومد في أجله حتى ١٣ أبريل ١٧٩٤ ثم مات بعد أن قال لسييس، "أني منطلق في النهاية من هذا العالم الذي لا بد فيه للقلب أما أن ينكسر أو يتقسى".