للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كيف ينبتون الزهور في البستان وكيف ينسقونها في دورهم، فكان هؤلاء الأساتذة يقولون إنه لا يكفي أن تعجب بالزهور نفسها، بل يجب أن تدرب نفسك على رؤية الجمال في ورقة الزهور وفي غصنها وفي عودها كما ترى الجمال في الزهرة نفسها، وأن تدرب نفسك على رؤية الجمال في زهرة واحدة كما تراه في ألف زهرة، وأن ترص الزهر رصاً لا يقوم على أساس اللون وحده، بل كذلك مع أساس طريقة ضمها في طاقات وصفها (٦٤). وهكذا أصبح الشاي والزهور والشعر والرقص من لوازم الأنوثة بين بنات العلية في اليابان.

الزهور عند اليابانيين بمثابة الدين، فهم يعبدونها عبادة تشيع فيها روح التضحية بالقرابين، ويلتقي فيها أفراد الشعب جميعاً؛ وهم يرقبون في كل فصل من فصول العام ما يلائمه من زهور؛ فإذا ما أزهرت شجرة الكريز مدى أسبوع أو أسبوعين في أوائل شهر إبريل، يخيل إليك أن أهل اليابان جميعاً قد تركوا أعمالهم ليحدجوا فيها بأبصارهم؛ بل إنهم ليحجون إلى الأماكن التي تزخر بهذه المعجزة ويكمل فيها إزهار هذا الضرب من الشجر (١)؛ فهم لا يزرعون شجرة الكريز لثمارها، بل لأزهارها- وزهرتها رمز للمحارب المخلص الذي يستعد للموت في سبيل وطنه في اللحظة التي تصل فيها حياته أوج شبابها (٦٥)؛ وقد يحدث أن يطلب المجرمون المساقون إلى الإعدام زهرة من زهرات الكريز وهم في طريقهم إلى الموت (٦٦)، وتروي لنا "السيدة تشيو" في قصيدة لها مشهورة، أن فتاة قصدت بئراً تستخرج منه الماء، فلما وجدت الدلو والحبل ملتفاً عليهما أغصان النبات اللبلابي، قصدت مكاناً آخر تحصل منه على الماء، مؤثرة ذلك على قطع أسلاك النبات (٦٧)، ويقول "تسورايوكي" "إنه ليستحيل عليك أن تفهم قلب الإنسان، لكن الزهور في قريتي ما تزال كسابق عهدها تنفث عبقها (٦٨)، هذه العبارة الساذجة هي من أعظم الشعر


(١) هم كذلك يحجون إلى حيث يشاهدون أوراق الأسفندان تتحول إلى السقوط.