للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الديري. لقد كتب هذا وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وبعد ذلك بعام (١٧٩٢) حكم بحكم - وكأنه يتنبأ - على الدستور الفرنسي الجديد الذي أصدرته فرنسا في سنة ١٧٩١ بأنه "يحوي - في رأيه - كثيرا من المبادئ المثيرة للإعجاب، لكن الشعب الفرنسي - وهو شعب عاطفي مستثار - لن يكون قادرا على التعايش معه بحكمة وقد يحولون بلادهم إلى فوضى ويغرقونها في الاضطراب". وبعد ذلك بجيل كان يتجول مع صديق له فيلولوجي philologist (عالم بفقه اللغة) في ميدان معركة ليبزج حيث واجه نابليون كارثة في سنة ١٨١٣، فقال: "إن الممالك والإمبراطوريات - كما نرى هنا - تموت، لكن قصيدة رقيقة تبقى للأبد" وربما كان يفكر في الشاعر بندار Pindar الذي كان هو قد ترجم أشعاره من لغتها الإغريقية الصعبة بشكل غير عادي.

لقد فشل كدبلوماسي لأنه كان شديد الافتتان بالثورة الفكرية بدرجة تجعله غير قادر على معالجة أمور السياسة المتغيرة ولما كان غير مرتاح على المسرح العام (غير مرتاح للتعامل مع الأمور العامة) فقد عكف على حياة العزلة وراح يدرس، وكان مفتونا بعلم فقه اللغة (الفيلولوجيا philology) وتتبع الألفاظ عند انتقالها من مكان إلى مكان (المفهوم لمعرفة ما يلحقها من تحريف أو تبديل). ولم يكن يؤمن بقدرة الحكومة على حل المشكلة الاجتماعية لأن أفضل القوانين يمكن أن تفشل أمام طبيعة الإنسان التي لا تتغير. وخلص إلى أن الأمل الوحيد للإنسان يكمن في تطور أقلية قد يكون في إخلاصها منارة تهدي الشباب فيقتدون بها حتى في جيل أصابه القنوط.

وعلى هذا فقد خرج وهو في الثانية والأربعين من خصوصيته (انكفائه على نفسه) وخدم بلاده وزيراً للتعلم، وفي سنة ١٨١٠ عهدت إليه الحكومة بتنظيم جامعة برلين، فأحدث فيها تغييرات ظلت مؤثرة في الجامعات الأوربية والأمريكية حتى اليوم: لقد كان محك اختيار الأساتذة ليس قدرتهم على التدريس فحسب وإنما لشهرتهم أو رغبتهم في البحث العلمي الأصيل. وتم دمج أكاديمية برلين للعلوم (أسست في سنة ١٧١١) والمرصد الوطني وحديقة النباتات والمتحف والمكتبة في الجامعة الجديدة. والتحق بهذه الجامعة فيشته الفيلسوف، وشلايرماخر Schleiermacher اللاهوتي، وسافيجنى Savigny القانوني وفريديش أوجست فلف