للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنها رُسمت أول ما رسمت بنفس الفرجون الذي كان يستخدم للكتابة؛ والكلمة التي معناها كتابة، والأخرى التي معناها تصوير، هما في الأصل كلمة واحدة - كما هي الحال أيضاً عند اليونان، فالتصوير كان عبارة عن فن خطي؛ وهذه الحقيقة الأساسية قد تفرع عنها نصف خصائص التصوير في الشرق الأقصى، بادئاً من المادة المستعملة في التصوير، ومنتهياً إلى إخضاع اللون للتخطيط، فالمواد المستعملة بسيطة: مداد أو ألوان مائية، وفرجون وورق نشاف أو حرير نشاف، وأما العمل نفسه فعسير: فالفنان لا يعمل وهو واقف، بل يعمل جاثياً على ركبتيه، منحنياً على قطعة الحرير أو قطعة الورق المنشورة على الأرض؛ ولابد له من ضبط يده في التخطيط بالفرجون، حتى يستطيع أن يخط إحدى وسبعين درجة أو أسلوباً من درجات التخطيط أو أساليبه (٧٣)؛ وكانت الرسوم ترسم على الجدران في القرون الأولى، أيام أن كانت البوذية مسيطرة على الفن في اليابان، على نحو ما كانت ترسم الصور الجدارية في "أجانتا" أو "تركستان"؛ غير أن كل ما بقي لدينا تقريباً من أعمال فنية واسعة الشهرة إما أن تكون من نوع الـ "ماكيمونو" (أي اللفائف) أو نوع الـ "كاكيمونو" (أي التعاليق) أو من نوع الستائر، ولم تكن هذه الصورة ترسم لتعرض في متاحف الفن عرضاً يخلو من استساغة المشاهدين لفنها - إذ ليس في اليابان متاحف للفن - إنما كانت ترسم لتكون متعة لناظري مقتنيها وأنظار أصدقائه؛ أو كانت تُرسم لتكون جزءاً من زينة زخرفية في معبد أو قصر أو منزل؛ وكان من النادر جداً أن تصور تلك الرسوم أشخاصاً معينين، إذ كان معظمها يصور لمحات من الطبيعة، أو مشاهد من النشاط العسكري، أو قبسات فكهة أو تهكمية تصور ما يشاهده الفنان من طرائق العيش عند الحيوان أو بني الإنسان نساء ورجالاً.

كانت صورهم أقرب إلى أن تكون قصائد تعبر عن وجدان الفنان، منها إلى أن تكون رسماً لأشياء؛ كما كانت أدنى شبهاً بالفلسفة منها بالتصوير