للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتقول الرواية المتواترة إن هذا الشاعر ولد في عام ٨٤٦ وتوفي في عام ٧٧٧، ولكن بعض العلماء المحدثين يؤرخون تاريخه إلى حوالي ٦٥٠، وأكبر ظننا أنه عاش قبل التاريخ الأخير بمائة عام. وكان مولده في سيمي Cyme من أعمال إيوليا في آسية الصغرى، ولكن والده حاقت بهِ الفاقة فيها فهاجر إلى أسكرا التي يصفها هزيود بأنها "بائسة في الشتاء، لا تطاق في الصيف، وليس فيها خير في وقت من الأوقات"- كمعظم الأماكن التي يعيش فيها الناس. وبينما كان هزيود الغلام الراعي والعامل في المزرعة يسير وراء قطعانه على سفوح جبال هليكون صاعداً تارة ونازلاً تارة أخرى خيل إليه أن ربات الشعر قد نفثت في جسمهِ روح الشعر فأخذ يكتبه ويغنيه ويكسب الجوائز في المباريات الموسيقية، ويقول البعض إنه فاز على هومر نفسه.

وإذ كان ككل شاب يوناني مولعاً بعجائب الأساطير، فقد كتب (١) أنساباً للآلهة عندنا منها ألف بيت غث تسرد أسر الأرباب وملوكهم، وهي أنساب لا غنى عنها في الدين كما أن أنساب الملوك لا غنى عنها في التاريخ. وقد تغنى في بادئ الأمر بربات الشعر نفسها لأنها كانت جاراته على تل هليكون إذا جاز القول بأن الآلهة يجاورون الآدميين، وقد صور له خيال الشباب أنه يكاد يراها "ترقص بأقدامها الدقيقة" على سفح الجبل، و "وتغسل جلدها الرقيق" في الهبكرين. ثم وصف بعدئذ مولد العالم- لا خلقه- فأخذ يقص علينا كيف ولد إله من إله حتى ضاق أولمبس بالآلهة. ويقول إنه في بادئ الأمر عماء ثم "كانت بعدئذ الأرض العريضة الصدر المقر الثابت الأمين لجميع الآلهة المخلدين"؛ وكان الآلهة في الدين اليوناني يعيشون إما على ظهر الأرض أو في باطنها، وهم على الدوام قريبون من الناس،


(١) هذا ما كان يعتقده جميع الكتاب الأقدمين ما عدا بعض الأدباء البؤوتيين ممن عاشوا في القرن الثاني بعد الميلاد، وهؤلاء يرتابون في أن هزيود هو مؤلف هذه الأنساب.