للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اضطر أن يضمن قوانينه صنوفاً من العقاب القاسي الشديد. ولما أن حلت شرائع صولون محل معظم قوانينه هو، كان كل ما يذكره الناس بهِ هو ضروب القسوة والعقاب لا قوانينه نفسها. والحقيقة أن داركون قد جمع في شرائعه ما كان في نظام الإقطاع من عادات قاسية مهوشة خالية من النظام، ولكنه لم يفعل شيئاً لإنقاذ المدينين من الاسترقاق، أو يقلل من استغلال الأقوياء للضعفاء؛ ومع أنه قد وسع دائرة من لهم حقوق سياسية بعض التوسيع، فإنه ترك لطبقة كرام المحتد) اليوبترد (السيطرة التامة على دور القضاء، كما ترك لهم الحق في أن يفسروا كما يرون كل ما يمس مصالحهم من القوانين ونقط الخلاف. وقد ضمنت شرائعه لأصحاب الأملاك حماية أكثر مما كان لهم من قبل؛ فكانت السرقات صغيرة، بل التراخي في العمل، يعاقب عليهما بحرمان المواطنين من حقوقهم السياسية، ويعاقب عليهما غير المواطنين (١) بالإعدام.

وبنما كان القرن السابع عشر قبل الميلاد يقترب من نهايته، كان حقد الفقراء المعدمين عديمي النصير على الأغنياء المتمتعين بحماية القانون قد أوشك أن يقذف بأثينة في أتون الثورة. ذلك أن المساواة ليست نظاماً طبيعياً، وحيث تُطلق الحرية للكفاية والدهاء فلابد من أن تنشأ الفوارق وتبقى حتى تقضي على نفسها في الفقر الشامل الذي تؤدي إليهِ الحرب الاجتماعية والذي لا يميز بين من كان في الأصل غنياً ومن كان فقيراً؛ وقصارى القول أن الحرية والمساواة ليستا رفيقين متلازمين بل عدوين متباغضين. وتجمع الثروة يبدأ بأن يكون نظاماً محتوماً، ثم ينتهي بأن يكون نظاماً مهلكاً مبيداً. وفي ذلك يقول أفلوطرخس: "إن التفاوت في الثراء بين الأغنياء والفقراء قد بلغ غايته، حتى بدا أن المدينة قد أضحت في حال تُخشى مغبتها، وأن ليس ثمة وسيلة تنجيها من الاضطراب … إلا سلطة استبدادية". ورأى الفقراء أن حالهم تزداد سوءاً عاماً بعد عام،


(١) "كان الذي يسرق كرنبة يجازى بما يجازى به من يقتل أمه أو ينتهك حرمة الدين" صولون لأفلوطرخس.