للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا ينقطع أبداً، بعد أن تتطور وتموت. وتحتوي اللانهائية الأزلية على جميع الأضداد- الحر والبرد، والرطوبة والجفاف، والسيولة والصلابة والغازية … ، وهذه الصفات الإمكانية تصبح في حالة التطور حقائق واقعية، وتنشأ منها أشياء محددة مختلفة؛ وفي حالة الانحلال تعود الصفات المتضادة مرة ثانية إلى اللانهائية (ومن هذه الآراء استمد هرقليطس واسبنسر آراءهما). وفي قيام العوالم وسقوطها على هذا النحو تصطرع العناصر المختلفة بعضها مع بعض، ويعتدي بعضها على بعض اصطراع الأضداد المتعادية، ويكون جزاؤها على هذا التضاد هو الانحلال؛ "فتفنى الأشياء في الأشياء التي ولدت منها".

ولا يسلم أنكسمندر هو الآخر من الأوهام الفلكية التي يمكن أن تغتفر في عصر لا توجد فيه آلات، ولكنه تفوق على طاليس بقوله إن الأرض اسطوانة معلقة بغير شيء في وسط الكون لا يمسكها غير وجودها على أبعاد متساوية من جميع الأشياء (٣٤). وهو يرى أن الشمس والقمر والنجوم تتحرك في دوائر حول الأرض. وأراد أنكسمندر أن يوضح هذا كله فصنع في إسبارطة مزولة (Gnomon) - وأكبر الظن أنه قلد فيها نماذج بابلية- أظهر فيها حركة الكواكب، وميل الفلك (١) وتعاقب الانقلابين والاعتدالين والفصول (٣٥). وقد استطاع بمعاونة زميله ومواطنه هكاتيوس Hecataeus أن يجعل الجغرافية علماً، وذلك برسمه أول خريطة معروفة للعالم المعمور (٢).

ويقول أنكسمندر إن الدنيا في أول صورة لها كانت في حالة الميوعة، ولكن الحرارة الخارجية جففت بعضها فكان أرضاً، وبخرت بعضها فكان سحاباً؛


(١) ودائرة فلك البروج هي الدائرة الكبرى التي تدور فيها الشمس في حركتها الظاهرية السنوية في السماء. وإذ كان مستوى الفلك هو أيضاً مستوى مدار الأرض، فإن ميل دائرة البروج هو زاوية الميل (٢٣ ْ) بين مستوى دائرة خط الاستواء الأرضي ومستوى مدارها حول الشمس.
(٢) لقد رسم المصريون قبله خرائط، ولكنها كانت خرائط لأقاليم قليلة محدودة.