للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما كان يشعر به كل أثيني تقريباً من احترام عظيم له؛ فقد كان القانون في اعتقاده هو روح المدينة، ومصدر سعادتها وقوتها. وخير ما نحكم به على شرائع أثينة هو تهافت غيرها من دول اليونان على استعارة الجزء الأكبر منها، وفي ذلك يقول إيسقراط Isocrates: " ليس ثم من ينكر أن شرائعنا مصدر كثير من الخير العظيم في حياة البشرية" (٤٩). ففي أثينة نجد للمرة الأولى في التاريخ حكم القوانين لا حكم الناس.

وقد ظل القانون الأثيني منتشراً في جميع أنحاء الإمبراطورية الأثينية التي يبلغ عمرها مليونين من الأنفس ما دامت هذه الإمبراطورية قائمة، أما في خارج دائرة هذه الإمبراطورية فلم يكن لبلاد اليونان نظام قضائي واحد تخضع له بأجمعها؛ وإن الصورة التي تنطبع في أذهاننا عن القانون الدولي في أثينة القرن الخامس لتبلغ من الضعف ما تبلغه صورة هذا القانون في عالم هذه الأيام. لكن التجارة الخارجية تتطلب بعض الأنظمة القانونية. ويقول دمستين إن المعاهدات التجارية قد بلغت في أيامه درجة من الكثرة أصبحت معها القوانين التي تخضع لها المنازعات التجارية "واحدة في كل مكان" (٥٠). وكانت هذه المعاهدات تنص على التمثيل القنصلي، وتضمن تنفيذ العقود، وتجعل الأحكام الصادرة في إحدى الدول الموقعة على المعاهدة نافذة في سائر الدول الموقعة عليها (٥١). على أن هذا لم يقضِ على القرصنة، فقد كانت تنتشر إذا ما ضعُفَ الأسطول المسيطر على البحار، أو تراخى في مراقبتها. ولقد كانت هذه اليقظة الخارجية الثمن الذي يشتري به الأهلون الأمن والنظام والحرية جميعاً؛ وكانت الفوضى رابضة كالذئب حول كل دولة مستقرة، تتربص بها، وتترقب ثغرة من الضعف تنفذ منها إليها. وكانت بعض الدول اليونانية ترى أن من حق المدينة أن توجه الحملات لتنهب أملاك غيرها من المدن وأهليها، إذا لم تكن ثمة معاهدة تنص صراحة على تحريم هذه الحملات (٥٢). وقد أفلح الدين في تحريم الاعتداء على الهياكل ما لم تتخذ قواعد حربية، وفي