للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن يعزى وجود العالم إلى الصدفة المحضة أو إلى أية علة غير عاقلة، أما الخلود فلم يكن واثقاً منه مثل هذه الثقة أو قاطعاً في أمره هذا القطع، فهو يستمسك به ويدافع عنه في الفيدون Phaedo أما في الأبولوجيا Apology فهو يقول: "إذا جاز لي أن أدعي بأني أكثر حكمة من غيري فسبب ذلك أني لا أعتقد أن عندي كثيراً من العلم بالدار الآخرة، وأنا في واقع الأمر لا علم لي بها على الإطلاق" (١٦٨). ويطبق هذه النزعة اللا أدرية نفسها على الآلهة في كتابه الكراتلس فيقول: "أما الآلهة فلسنا نعرف عنها شيئاً" (١٦٩). وكان ينصح أتباعه بألا يجادلوا في مثل هذه الأمور، يسألهم كما يسأل كنفوشيوس أتباعه هل عرفوا شئون البشر حق المعرفة فأصبحوا بعدئذ على استعداد لأن يتدخلوا في شئون السماء (١٧٠)؟ وكان يحس أن خير ما نفعله في هذه الناحية أن نقر بجهلنا، وأن نطيع في الوقت نفسه وحي دلفي حين سئل كيف يعبد الإنسان الآلهة فأجاب: "حسب قانون بلادكم" (١٧١).

وكان يطبق هذا التشكك نفسه تطبيقاً أشد من هذا صراحة في العلوم الطبيعية فيقول إن من واجب الإنسان ألا يزيد في دراستها على القدر الذي يهتدي به في حياته، أما فيما عدا هذا فإن هذه العلوم بيداء يضل فيها العقل، يكشف كل لغز غامض فيها حين يحل عن لغز آخر أشد منه غموضاً (١٧٢). وكان في شبابه قد درس العلوم الطبيعية مع أركلوس Archelaus، فلما كبر ونضج عقله تركها وهو يعتقد أنها أسطورة خداعة إلى حد ما، ولم يعد يهتم بالحقائق أو بأصول الأشياء بل وجه اهتمامه إلى القيم والغايات. وفي ذلك يقول أكسانوفون "إنه كان على الدوام يتحدث في البشرية (١٧٤). وكان السوفسطائيون أيضاً قد حولوا اهتمامهم من العلوم الطبيعية إلى الإنسان، وبدءوا يدرسون الإحساس، والإدراك والمعرفة، ولكن سقراط تعمق أكثر من هذا في داخل الإنسان وأخذ يدرس الأخلاق والأغراض البشرية: "قل لي يا يوثيديموس،