كتاب قصة الحضارة

وكان في خارج الأبواب الكبرى ملعب رياضي، وميدان للسباق، ومدرج، ومقبرة عظيمة تُعرف بمدينة الموتى (Necropolis) (٣٢) . وكانت تمتد على طول شاطئ البحر مقاصير للاستحمام والاصطياف. وكان يصل المدينة بجزيرة فاروس جسر أو حاجز يُسمى الهبتستديوم Heptastadium لأن طوله كان يبلغ سبعة استديومات (١)، وكان المرفأ مرفأين. وكانت تقع خلف المدينة بحيرة مريوط، وتستخدم مرافئ ومخارج للسفن النيلية. وفي هذه البحيرة كان البطالمة يحتفظون بقوارب التنزه، ويقضون ساعات الراحة من عناء الأعمال (٢).

وكان سكان الإسكندرية في عام ٢٠٠ ق. م خليطاً من أجناس مختلفة كما هي حال سكان العواصم في هذه الأيام. وكانت عدتهم تتراوح بين أربعمائة ألف وخمسمائة ألف من المقدونيين، واليونان، والمصريين، واليهود، والفرس، وأهل الأناضول، والعرب، والزنوج (٣). وزاد انتشار التجارة عدد أفراد الطبقة الوسطى-الدنيا وملأ العاصمة المختلطة السكان بطائفة نشيطة، وثرثارة، متشاحنة من أصحاب الحوانيت والتجار، لا تغفل لهم عين عن اقتناص أية فرصة لعقد الصفقات التجارية غير مراعين في ذلك شرفاً أو أمانة. وكان على رأس هذه الطوائف السالفة الذكر المقدونيين واليونان، يعيشون عيشة بلغت من الترف حداً أدهش السفراء الرومان الذين عينوا في بلاط ملوك مصر عام ٢٧٣. ويذكر أثنيوس أصناف الأطعمة الشهية التي كانت تثقل موائد هؤلاء السادة ومعداتهم (٣٤)،

(١) الاستديوم مقياس يوناني يبلغ طوله ٦٠٠ قدم يونانية أو ٥٨٢ قدم إنجليزية.
(٢) ولا يكاد يوجد الآن من الإسكندرية القديمة إلا عدد قليل من سراديب الموتى والأعمدة. وإذ كانت آثار هذه المدينة تحت الإسكندرية الحالية مباشرةً، فإن أعمال الحفر للكشف عنها تكون عظيمة النفقة. وأكبر الظن أن هذه الآثار قد هبطت إلى ما تحت مستوى ماء البحر، ولا شك في أن البحر الأبيض المتوسط قد غمر أجزاء من المدينة القديمة.
(٣) وكان عدد سكان الإسكندرية في عام ١٩٢٧ هو ٥٧٠. ٠٠٠.