للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتفكك دامت مائتي عام. ثم غزا الهكسوس، وهم بدو من آسية، مصر المتقطعة الأوصال، فأحرقوا مدنها وهدموا هياكلها وبددوا ما تجمع من ثروتها، وقضوا على كثير من معالم فنونها، وأخضعوا وادي النيل مدى قرنين لحكم "ملوك الرعاة" (١). لقد كانت المدنيات القديمة جزائر صغرى في بحار من الهمجية، أو محلات رخية يحيط بها الجياع والحساد من الصيادين والرعاة ذوي النزعة الحربية. وكانت حصونها عرضة للتصدع والانهيار من حين إلى حين. بهذه الطريقة أغار الكاشيون على دولة بابل، وهاجم الغاليون بلاد اليونان والرومان، واجتاح الهون إيطاليا، وهاجم المغول بيجنج.

لكن الفاتحين لم يلبثوا هم أيضا أن سمنوا وأترفوا وفقدوا سلطانهم؛ وجمع المصريون شملهم وشنوا حرباً عوانا يبغون بها تحرير بلادهم، فطردوا الهكسوس، وأسسوا الأسرة الثامنة عشرة التي بلغت البلاد في أيامها درجة من القوة والمجد لم تبلغها من قبل.

[٥ - الإمبراطورية]

الملكة العظيمة - تحتمس الثالث - ذروة المجد

لعل هذا الفتح قد جدد شباب مصر بما أدخله فيها من دم جديد؛ ولكنه كان إيذاناً بابتداء كفاح طويل مرير بين مصر وغرب آسية دام ألف عام. ذلك أن تحتمس الأول لم يعزز قوى الدولة الجديدة فحسب ولكنه غزا سوريا أيضاً بحجة أن مصر يجب أن تسيطر على غرب آسية لكي تمنع الاعتداء على أراضيها فيما بعد، وأخضع كل البلاد الواقعة بين ساحل البحر وقرقميش في الداخل، ووضع فيها حاميات من عنده، وفرض عليها الجزية، ثم عاد إلى طيبة مثقلاً بالغنائم ومكللاً بالمجد الذي يكلل على الدوام هامة من يقتل بني الإنسان. وفي آخر العام الثلاثين


(١) يعتقد كثيرون من المؤرخين أن ترجمة كلمة هكسوس بالرعاة ترجمة خاطئة وأنهم لم يكونوا رعاة بل "ملوك أقاليم". (المترجم)