للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تستطيع أن تنزل جنودها فيه. فلما تم له الاستيلاء عليها عبر نهر الإبرة في عام ٢١٨ وتحدى الأقدار كما تحداها قيصر من بعده حين تخطى الربيكون (١) Rubicon. وكان تحت قيادته جيش يتألف من خمسين ألفاً من المشاة وتسعة آلاف من الفرسان، ليس فيهم أحد من الجنود المرتزقين، ومعظمهم من الأسبان واللوبيين. ولكن ثلاثة آلاف من جنوده الأسبان نكصوا على أعقابهم حين علموا أنه ينتوي عبور جبال الألب، وسرح هو نفسه سبعة آلاف غيرهم لأنهم احتجوا على هذه المغامرة، وقالوا إنها مستحلية التحقيق (٢٤). وكان اختراق جبال البرانس نفسها من أشق الأعمال؛ ولم يكن يتوقع قط أن يلقي ما يلقيه من المقاومة الشديدة من بعض قبائل الغاليين أحلاف مرسيلية؛ واقتضاه الوصول إلى نهر الرون حروباً دامت ثمانية أشهر، فلما وصله كان لابد له من معركة عنيفة ليتمكن من اجتيازه. وما كاد يبتعد عن شاطئيه حتى وصل جيش روماني عند مصبه.

واتجه هنيبال بجيشه شمالاً نحو فين Vienne ثم اتجه به شرقًا نحو جبال الألب. وكانت جموع من الكلت قد عبرت هذه السلاسل الجبلية من قبله، وكان في مقدوره هو أن يعبرها دون أن يلقى في سبيل ذلك صعابًا غير عادية لولا عداء القبائل الألبية وما عاناه من الصعاب في تسيير فيلته في الممرات الضيقة أو الشديدة الانحدار. وقضى هنيبال في تسلق الجبال تسعة أيام وصل بعدها في أوائل شهر سبتمبر إلى قممها فوجدها مغطاة بالثلوج؛ وبعد أن استراح هو ورجاله ودوابه يومين شرع في النزول في ممرات أشد وعورة من التي سلكها في الصعود، وطرق مغطاة في بعض الأحيان بجلاميد من الصخر ومرصوفة في أحيان أخرى بالجليد. وكثيرًا ما كانت أقدام الجنود والدواب فتتردى في هاويات سحيقة تلقى فيها حتفها. وكان هنيبال يستحث جنوده اليائسين بأن يشير إلى الحقول الناضرة والمجاري المتلألئة التي تنتشر من بعيد جنوب الجبال،


(١) انظر هذا في تاريخ قيصر فيما بعد. (المترجم)