للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكانت أعظم طوائف الكهنة نفوذاً طائفة العرافين التسعة الذين كانوا يدرسون إدارة الآلهة ومقصدهم باتجاه الطيور في الأيام الأولى (١)، وبالفحص عن أحشاء الحيوانات المضحاة فيما بعد. فكان كبار الحكام "يستطلعون الطلع" قبل كل عمل هام من أعمال السياسة أو الحكم أو الحرب، ثم يفسر العرافون ما يجده الحكام، أو يفسره لهم مفتشو الأكباد hauruspices الذين تلقوا فنهم هذا من بلاد الكلدان أو من أمم قبلهم عن طريق إتروريا. ولم يكن الكهنة على الدوام بمنجاة من الإغراء بالمال، ولذلك كانوا في بعض الأحيان يوقفون بين أقوالهم وبين حاجات من يذهب لاستشارتهم. من ذلك أن أي قانون لا يتفق مع مصلحة طائفة أو جماعة من الناس كان يمكن تعطليه إذا قيل إن اليوم الذي ينظر فيه القانون يوم مشئوم لا يصلح العمل فيه، وكان في الاستطاعة إقناع الجمعية بالموافقة على إعلان الحرب إذا قيل لها أن اليوم الذي يطلب إليها إعلانها فيه يوم سعيد (١٣). وكانت الحكومة في الأزمات الخطيرة تدعى أنها تعرف ما تريده الآلهة بالرجوع إلى الكتب السبيلية Sibylline، وهي الكتب التي سجلت فيها نبوءات سبيل Sibyl أو كاهنة أبلون Apollo في كومية Cumae. وكان في وسع الأعيان أن يؤثروا في الشعب بهذه الوسائل وبالرسل الذين كانوا يرسلونهم إلى هاتف دلفي The oracle at Delphi في بعض الأحيان وبذلك يوجهونهم في أي اتجاه يشاءون، ويكادون يبلغون كل غاية يبغونها (١٤).

ولم يكن يقصد بطقوس العبادات إلا أن تقدم هدية أو ضحية للآلهة لكسب عونها أو اتقاء غضبها. وكان الكهنة يقولون إن الاحتفالات التي تقام لهذا الغرض لا تثمر ثمرتها إلا إذا روعي فيها منتهى الدقة في الأقوال والحركات، وهي


(١) ومن ثم اشتقت من هذا اللفظ Augurs ومعناها حامل الطيور aves-gero، و Auspices فحص الطيور aues-specio. ولعل الإنسان البدائي قد عرف كيف يتنبأ بأحوال الجو من حركات الطيور.