للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤ - الدين وأثره في الأخلاق]

ترى هل أعلن هذا الدين على تقويم الأخلاق؟ لقد كان من بعض النواحي مبعث الفساد الخلقي. فاهتمامه بالطقوس والمراسم يوحي بأن الآلهة لا تجزي الشخص لصلاحه بل لما يقدمه لها من الهدايا وما يتلوه من الصيغ، وكانت الأدعية والصلوات يطلب بها على الدوام النفع المادي أو النصر الحربي. وكان ما يقام من الحفلات يمثل حياة الإنسان وتربة الأرض في صورة المسرحية، ولكن هذه الاحتفالات كثرت وزاد عددها كأن هذه الأعياد، لا صلة الجزء بالكل وإخلاصه له، هي أساس الدين وجوهره. وكانت الآلهة، عدا قلة صغيرة منها، أرواحاً رهيبة مجردة من النبل والأخلاق الفاضلة.

لكن الدين القديم مع هذا كله كان يدعو إلى فضائل الأخلاق، والى النظام والقوة في الفرد والأسرة والدولة. وكان هذا الدين يصوغ أخلاق الطفل، قبل أن يتسرب إليه الشك، ويعوده التأدب وأداء الواجب ولطف المعاشرة. كذلك كان يجعل للأسرة حقوقاً وضمانات ومعونة مقدسة: فكان يغرس في قلوب الآباء والأبناء أقصى درجات الاحترام المتبادل والتقوى، ويجعل للمولد والوفاة كرامة ومعنى قدسياً خاصاً، ويدعو إلى الوفاء بيمين الزواج ويشجع على التناسل إذ يجعل الأبوة شرطاً أساسياً لطمأنينة روح الميت وتمتعها بالهدوء والسلام. يضاف إلى هذا أن الدين، بما كان يفرضه من المراسم والحفلات قبل كل حملة ومعركة حربية، يرفع قوة الجندي المعنوية، ويحمله على الاعتقاد بأن القوى الروحية تحارب إلى جانبه، وأنه كان يثبت القانون ويزيده قوة بما يعزو إليه من أصل سماوي وصورة دينية، وبقوله إن الجرائم تخل بنظام السماوات وبسلمها