للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العامل الأكبر في تماسك الدولة الرومانية. فهذه الشؤون تكتسي بثوب من الأبهة والفخامة، وتسري في الحياة الخاصة والعامة سرياناً لا يضارعها فيه غيره من الأديان .. ويقيني أن الحكومة قد نهجت هذا النهج لخير الشعب. ولو أنه كان مستطاعاً إقامة دولة كل رجالها من الحكام، لما كان هذا النهج واجباً محتوماً. ولكن الجماهير كلها بلا استثناء متقلبة الأهواء لا تثبت على حال، تملأ قلوبها الرغبات الطليقة التي لا تتقيد بقانون، والشهوات التي لا تخضع لحكم العقل، والانفعالات العنيفة؛ ومن أجل هذا كان لابد من وجود أسباب للإرهاب لا تراها العين، ومواكب ومظاهر دينية فخمة تمسك هذه الجماهير بعضها ببعض".

ولعله كان في وسع بولبيوس أن يؤيد قوله هذا بحوادث في أيامه تثبت أن الخرافات لا تزال هي المسيطرة على عقول الرومان، على الرغم من بلوتس وعلى الرغم من الفلسفة. من ذلك أنه لما حلت بالرومان كارثة كاني Cannae، ولاح أن رومه لن يعصمها عاصم من هنيبال، استولى الرعب على الشعب الروماني المهتاج ونادى: "أي إله نرتجيه لينجي رومه من البلاء الذي هي فيه؟ ".

وحاول مجلس الشيوخ أن يسكن هذا الذعر بالتضحية البشرية، ثم بالصلاة إلى الآلهة اليونانية، ثم استخدام الطقوس اليونانية في عبادة الآلهة كلها الرومانية منها واليونانية على السواء. ثم قرر المجلس في آخر الأمر أنه إذا كان قد عجز عن القضاء على الخرافات فإنه سينظمها ويسيطر عليها. من ذلك أنه أعلن في عام ٢٠٥ أن الكتب السبيلية Sibylline تنبئ بأن هنيبال سيغادر إيطاليا إذا جئ بالأم الكبرى- Magna Mater- وهي صورة من الإلهة سيببل Cybele- من بسينس Pessinus في فريجيا Phygi إلى رومه. ووافق على ذلك أتالس Attalus ملك برجموم ونقل الحجر الأسود الذي كان في اعتقادهم جسد الأم الكبرى إلى أستيا حيث استقبله سبيو الإفريقي وطائفة من فضليات