للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيلسوف نفاه دومتيان وتعرض بذلك لبعض الخطر. ووهب كومو هيكلاً، ومدرسة ثانوية، ومعهداً للأطفال الفقراء، وحمّاماً للبلدية، وأحد عشر ألف سسترس لإنشاء مكتبة عامة.

وأكثر ما يسر له الإنسان من صفاته هو حبه لموطنه، أو إن شئت فقل لمواطنه، وهو لا يذم رومة، ولكنه يكون أسعد حالاً في كومو أو لورنتم بالقرب من البحيرة أو البحر. وأهم ما كان يعمله هناك هو القراءة وعدم القيام بعمل ما. وهو يحب حدائقه، وما وراءها من المناظر الجبلية؛ ولم يكن عليه أن ينتظر روسو ليعلمه حب الطبيعة. وهو يتحدث بمنتهى الحنان عن زوجته الثالثة كلبيرنيا Calpurnia فيصف طبعها الحلو، وعقلها الصافي، وابتهاجاً بنجاحه، وحبها لكتبه، ويعتقد أنها قد قرأتها كلها وأنها تحفظ الكثير من صحائفها عن ظهر قلب. وقد لّحنت قصائده وغنتها، وكان لها قصة خاصة من الرسل يأتونها بجميع ما يحدث من التطورات أثناء نظره في قضية هامة. ولم تكن هي إلا واحدة من نساء كثيرات طيبات في محيطه. فهو يحدثنا عما تتصف به في الفتاة الرابعة عشرة من عمرها من تواضع، وصبر، وشجاعة. وكانت هذه الفتاة قد خطبت من وقت قصير ولكنها ما لبثت أن عرفت أنها مصابة بداء عضال لا تشفى منه، فأخذت تنتظر منيتها وهي مبتهجة (٣٦). ويحدثنا كذلك عن زوجة بمبيوس سترنينس Pompeius Saturninus التي كانت رسائلها لزوجها أناشيد حب ونماذج باللغة اللاتينية الظريفة (٣٧)؛ وعن فانيا Fannia إبنة ثرازيا Thrasaea التي قاست آلام النفي دون أن تشكو أو تتململ لأنها دافعت عن زوجها هلفديوس، والتي مرضت قريباً لها في أثناء إصابته بمرض خطر، فأصيبت بذلك المرض وقضى على حياتها؛ ثم يقول فيها: "ألا ما أكمل فضائلها، وطهرها، واستقامتها، وشجاعتها! " (٣٨).

وكان له مائة صديق، بعضهم من العظماء، وكلهم من خيار الناس، وقد