للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد واحد، ويكتب بالقوة الخلقية بالجلادين، وبالترتيب الحسن والوضوح اللذين تمتاز بهما الفلسفة القديمة، ولا يخلو أسلوبه من الفكاهة الساخرة ومن فتات من المنطق الكئيب.

ويقول سكستس ان كل حجة يمكن معارضتها بحجة مساوية لها، ومن أجل هذا لن تجد في آخر الأمر شيئاً لا ضرورة له أكثر من التعليل والاستدلال لا يوثق به إلا إذا قام على أساس الاستقراء الكامل، ولكن الاستقراء الكامل مستحيل، لأننا لا نستطيع أن نتبيّن متى يظهر أمامنا "مثل سلبي" (٥١). وليست "العلّة" إلا سابقة منتظمة (كما يُكرر هيوم Hume) ، والمعرفة كلها نسبية (٥٢). كذلك لا يوجد خير أو شر موضوعي، فالمبادئ الأخلاقية تختلف باختلاف البلاد (٥٣)، وللفضيلة في كل جيل تعريف يختلف عن تعريفها في كل جيل آخر. وانك لتجد في أقوال هذا الفيلسوف جميع الحجج التي أدلى بها في القرن التاسع عشر عن إمكان معرفة وجود الله أو عدم وجوده. كما تجد فيها جميع الأقوال المتعارضة بين قدرته العليا الخيّرة والآلام الدنيوية (٥٤). ولكن سكستس أكمل لاأدرية من اللاأدريين، لأنه يؤكد أننا لا نستطيع أن نعرف أننا لا نعرف. ويقول أن اللاأدرية عقيدة (٥٥)، ولكنه يواسينا بقوله أننا لسنا في حاجة إلى الحقيقة المؤكدة؛ وإن في الترجيح ما يفي بجميع أغراضنا العملية، وإن تعليق الحكم في المسائل الفلسفية بدل إزعاج العقل به يهبه الهدوء الناشئ عن عدم الاهتمام (Atarasia) (٥٦) : وإذا لم يكن ثمة شيء مؤكد فلنقبل عرف الزمان والمكان اللذين نعيش فيهما وعقائدهما، ولنعبد أربابنا القدامى متواضعين (٥٧).

ولو أن لوشيان قد أوتي من الحَمَق ما جعله يقيّد عقله بالانتماء إلى طائفة خاصة من الفلاسفة لكان من طائفة المتشككة. وكان يكتب الفلسفة كما يكتبها فلتير الذي يشبهه في كل شيء إلا في عطف فلتير وحنانه، يكتبها بأسلوب بلغ من