للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونشأ على حب العلم، ويقال إنه أعجب بحديث أوسطاثيوس Eustathius السوفسطائي سفير اليونان إعجاباً جعله يفكر في اعتزال الملك ليتفرغ للفلسفة (٣٥) وخالف سميه بأن أطلق الحرية الكاملة لجميع الأديان، وسمح لماني بأن يلقي مواعظه الدينية في بلاطه؛ وأعلن أن "المجوس، والمانيين، واليهود، والنصارى، والناس جميعاً أياً كان دينهم يجب أن يتركوا وشأنهم في جميع أنحاء إمبراطوريته (٦). وواصل ما بدأه أردشير من تنقيح الأبستاق، فأقنع الكهنة بأن يضموا إلى كتابهم المقدس أبواباً في غير شؤون الدين تشمل علوم ما بعد الطبيعة والفلك، والطب، معظمها مأخوذ من بلاد الهند واليونان. وكان سخياً في مناصرة الفنون، ولم يبلغ ما بلغه شابور الثاني، أو كسرى الأول والثاني، من براعة في قيادة الجند، ولكنه كان أقدر الملوك الساسانيين جميعاً في الشؤون الإدارية. وأنشأ له عاصمة جديدة في شاه بور لا تزال آثارها تحمل اسمه حتى الآن، وأقام عند ششتار على نهر قارون سداً يعد من أكبر الأعمال الهندسية في التاريخ القديم. وقد بني هذا السد من كتل ضخمة من الحجر الأعبل (الجرانيت)، تكون منها جسر طوله ١٧١٠ قدم، وعرضه عشرون قدماً. وحول مجرى النهر مؤقتاً لكي يستطاع إقامة البناء؛ ورصف قاع المجرى عنده رصفاً متيناً؛ وأنشئت فيه بوابات لتنظيم تصريف المياه. وتقول الرواية المتواترة إن شابور استخدم في تخطيط السد وبنائه مهندسين وأسرى من الرومان. وقد ظل هذا السد يؤدي الغرض منه حتى هذا القرن (٣٧). ثم حول شابور اهتمامه على كره منه إلى الحرب والقتال، فغزا سوريا، ووصل في حملته إلى إنطاكية، ولكنه هزم في معركة مع جيش روماني فعقد مع روما صلحاً (٢٤٤)، استردت بمقتضاه جميع ما كان قد استولى عليه في حروبه. غير أنه حقد على أرمينية أن تعاونت عليه مع روما، فزحف على تلك البلاد، وأقام فيها أسرة صديقة لفارس (٢٥٢)؛ ولما حمى بذلك جناحه الأيمن، عاد إلى قتال روما، فهزم الإمبراطور فلبريان وأسره (٢٦٠)،