للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو ممتطين صهوة الجياد، أو ظهور الحمير، أو البغال، أو الهوادج الفخمة، ولكن كثرتهم الغالبة تهتز على ظهور الإبل، وتنحني بأجسامها في كل خطوة من خطواتها الطويلة … وتسجد خمسين مرة في كل دقيقة أرادت ذلك أو لم ترده في اتجاه مكة، مجتازة ثلاثين ميلاً في اليوم، وخمسين ميلاً في بعض الأحيان، حتى تصل إلى واحة تحط فيها رحالها لتستريح. وفي هذا السير الشاق يمرضن كثير من الحجاج ويتخلفون، ومنهم من يموتون فيتركون (١) تنهشهم السباع المترصدة في الطريق، أو يحتضرون فيتركون ليموتوا على مهل، ويزور الحجاج في المدينة قبر النبي، ويشهدون قبر أبي بكر وقبر عمر في مسجد الرسول، ويعتقد بعضهم أن في جوار هذه القبور مكان احتفظ به لعيسى بن مريم.

فإذا أشرفت القافلة على مكة نصبت خيامها خارج أسوارها لأن البلدة نفسها حرم مقدس. ثم يستحم الحجاج ويحرمون فيلبسون أثواباُ بيضاء غير مخيطة، ويركبون أو يسيرون على أقدامهم مسافة طويلة، يبحثون عن مساكن لهم في أحياء المدينة (٢). ويفرض عليهم طوال إقامتهم في مكة أن يمتنعوا عن جميع المنازعات، وعن العلاقات الجنسية، وعن كل ما هو حرام (٣)، وتصبح البلدة


(١) لا شك أن هذا الوصف لا ينطبق كله على الكثرة الغالبة من الحجاج في هذه الأيام أيام الطائرات والسيارات والطرق المعبدة ووسائل الراحة المهيأة لجميع الحجاج. (المترجم)
(٢) يحتاج هذا الوصف إلى شيء من الدقة، فإن كون مكة حرماً مقدساً لا يمنع أن يدخلها الحجاج بقوافلهم، بل هذا ما يحدث فعلاً، ثم إن الإحرام يكون قبل ذلك لا بعد وله مواقيت-وأمكنة معينة معروفة لا يجاوزها الحاج إلا محرماً مهما كان البلد الآتي منه، وأقربها إلى "مكة" بينه وبينها مرحلتان (راجع مثلاً دور الحكام للقاضي مثلاً خسرو الحنفي جـ ١ ص ٢١٨). (ي)
(٣) ليس فرضاً على الحجاج الامتناع عن الصلات الجنسية طوال مدد إقامته بمكة، بل ذلك يكون ما دام محرماً فقط، كما هو معروف في كتب الفقه (انظر التعليق السابق) هذا وليس الامتناع عن المحرمات مقصوراً على أيام الحج، بل هو مفروض على المسلمين في جميع الأوقات. (ي)