للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحتى قصة موسى نفسها يجب ألا نتعجل فنرفضها من غير بحث وتحقيق، وإن كان من العجيب حقا أنه لم يرد له ذكر على لسان عاموس أو إشعيا، وهما اللذان سبقت خطبهما تأليف أسفار موسى الخمسة بنحو قرن من الزمان (١).

ولما سار موسى باليهود إلى جبل سيناء، لم يكن في سيره هذا إلا متبعاً نفس الطريق الذي كانت تسلكه البعثات المصرية التي تبحث عن الفيروز منذ ألف عام. وتبدو الآن قصة الأربعين عاماً التي تاهوا فيها في الصحراء، والتي كان يظن من قبل أنها قصة غير معقولة، تبدو الآن من الأمور التي يقبلها العقل، لأنها تصف مسير قوم من البدو الذين كانوا طوال عهدهم قوماً رحلاً، كما أن هزيمتهم للكنعانيين ليست إلا مثلاً آخر لانقضاض جموع جياع على جماعة مستقرين آمنين. وقتل المهاجمون من الكنعانيين أكثر من استطاعوا قتلهم منهم وسبوا من بقي من نسائهم، وجرت دماء القتلى أنهاراً، وكان هذا القتل كما تقول نصوص الكتاب المقدس "فريضة الشريعة التي أمر بها الرب موسى".


(١) ينقل يوسفوس عن مانيثون- وهو مؤرخ مصري عاش في القرن الثالث قبل الميلاد- قوله أن سبب خروج بني إسرائيل من مصر هو رغبة المصريين في أن يتقوا شر وباء فشى بين اليهود المستعبدين المملقين، وقوله أن موسى نفسه كان كاهناً مصرياً خرج للتبشير بين اليهود "المجذومين"، وأنه علمهم قواعد للنظافة على نسق القواعد المتبعة عند كهنة المصريين (١٣). ويفسر المؤرخون اليونان والرومان قصة الخروج هذا التفسير (١٤)، ولكن نزعتهم المعادية للسامية تجعلنا قليلي الثقة بأقوالهم. وفي التوراة آية تؤيد قول َوارْد Ward أن الخروج لم يكن إلا إضرابا عن العمل. وهذه هي الآية المشار إليها: "فقال لهما ملك مصر لماذا يا موسى وهرون تبطلان الشعب من أعماله اذهبا إلى أشغالكما" (١٥). وموسى اسم مصري لا اسم يهودي؛ ولعله اختصار للفظ أحموس (١٦). ويقول الأستاذ جارستانج عضو بعثة مارستن Marston التابعة لجامعة لفربول أنه كشف في مقابر أريحا الملكية أدلة تثبت أن موسى قد أنجته (في عام ١٥٢٧ ق. م بالتحقيق) الأميرة حتشبسوت (الملكة حتشبسوت فيما بعد) وأنه تربى في بلاطها بين حاشيتها، وأنه فر من مصر حين جلس على العرش عدوها تحتمس الثالث (١٧). وهو يعتقد كذلك أن المخلفات التي وجدت في هذه القبور تؤيد قصة سقوط أريحا (يشوع ٦). ويرجع سقوطها إلى حوالي عام ١٤٠٠ ق. م كما يرجع الخروج إلى عام ١٤٤٧ ق. م (١٨). ولما كانت هذه التواريخ لا تعتمد إلا ما ورد منقوشا على الجعلان والخزف، فإن من واجبنا أن نأخذها بالشك المقرون بالاهتمام.