للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الحافز الجديد للحرية، مضافاً إلى اتساع الأسواق الزراعية، من أسباب تحسن أساليب الزراعة، وأدواتها، ومحصولاتها، كما كان تكاثر سكان المدن، وازدياد الثراء، وأساليب الجديدة التي يسرت الأعمال التجارية والمالية÷ كل هذا كان سبباً في اتساع نطاق الاقتصاد الريفي وزيادة غناه. وتطلبت الصناعات الجديدة محصولات صناعية غير التي كانت موجودة من قبل- قصب السكر، وبذر اليانسون، والكمون، والكتان، والعنب الهندي، والزيوت النباتية والأصباغ. وكان قرب المدن المزدحمة بالسكان مشجعاً على تربية الماشية، وصناعة منتجات الألبان، وغرس حدائق الخضر. وجرت السفن بالخمور في الأنهار وفي البر والبحر من آلاف الكروم المنتشرة في أودية التيبر، والآرنو، والبو، والوادي الكبير، والتاجه، والإبرة، والرون، والجروند، والجارون، واللوار، والسين، والموزل، والموز، والرين، والدانوب، وجرت السفن بهذه الخمور لتفرج كرب العمال الكادحين في حقول أوربا، حوانيتها، وغرف الحاسبين فيها؛ وحتى إنجلترا نفسها كانت تعصر الخمر في الفترة الممتدة من القرن الحادي عشر إلى القرن السادس عشر. وخرجت الأساطيل الضخمة في البحر البلطي، وبحر الشمال لتصيد منهما الرنكة وغيرها من أنواع السمك لتطعم المدن الجائعة التي تكثر فيها أيام الصوم، ويرتفع فيها ثمن اللحم؛ فكانت يارموث Yarmouth مدينة بحياتها إلى تجارة الرنكة، وأقر تجار لوبك بفضلها عليهم بأن نقشوا الرنكة على مقاعدهم في الكنيسة (١١٧)، واعترف الهولنديون الشرفاء بأنهم "شادوا على الرنكة" مدينة أمستردام الشامخة (١١٨).

وتحسنت أساليب الزراعة الفنية على مهل، فلقد تعلم المسيحيون من العرب في أسبانيا، وصقلية، وبلاد الشرق، وأدخل الرهبان البندكتيون والسسترسيون Cistercians (١) الأساليب الرومانية القديمة والإيطالية الحديثة الخاصة بالزراعة،


(١) فرع من الرهبان البندكتيين نشأ في عام ١٠٩٨ في غابة ستستو Cisteanx بفرنسا.