للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرسله (١١١٥) على رأس ثلاثة عشر راهباً لينشئ بيتاً سترسيا جديداً يكون هو رئيسه. واختار برنار لبيته الجديد بقعة شجرة على بعد تسعين ميلا من سيتو تعرف بإسم الوادي اللامع Claivaux أو Clara vallis، ولم يكن في هذا المكان مسكن ولم يكن فيه قط إنسان. وكان أول عمل قامت به الفئة المتآخية أن بنت بأدبها "ديرها" الأول- وهو بناء خشبي يحوي تحت سقف واحد مصلى، ومطعماً، وفي أعلاهما مكان للنوم يصلون إليه بسلم خشبي. وكانوا ينامون في صناديق نثرت عليها أوراق الأشجار، ولم تكن النوافذ أكبر من رأس الرجل ولم يكن على الأرض شيء. وكان طعامهم مقصوراً على الخضر إلا سمكة يطعمونها من حين إلى حين، ولم يكونوا يطعمون خبزاً أبيض، أو توابل، وقلما يشربون نبيذاً، فكان هؤلاء الرهبان الحريصون على دخول الجنة يأكلون كما يأكل الفلاسفة الراغبون في طول العمر. وكانوا يعدون الطعام بأيديهم، فيتناوبون طهوه. وكان من القواعد التي وضعها برنار ألا يبتاع الدير أملاكاً، وألا له إلا ما يوهب، وكان يرجو ألا يكون له من الأرض أكثر مما يستطيع الرهبان العمل فيه بأيديهم وبأدواتهم البسيطة. وأخذ برنار وإخوانه المتزايد عددهم يعملون في هذا الوادي الهادي في صمت وقناعة بعيدين عن " زوبعة العالم " يقطعون أشجار الغابة، ويزرعون، ويحصدون، ويصنعون أثاثهم بأيديهم، ويجتمعون في أوقات الصلاة ليرتلوا الأناشيد بغير أرغن، ويتلو مزامير اليوم وترانيمه. ويصفهم وليم السانت تيري William of St. Thierry بقوله: "كلما أمعنت النظر فيهم زاد يقيني أنهم أعظم أتباع المسيح كمالا … لا ينقصون إلا قليلا عن الملائكة، ولكنهم أرقى كثيراً من الآدميين" (٢٣). وانتشرت أنباء هذا السلام المسيحي وهذا الاستقلال الذاتي حتى كان في كليرفو قبل موت برنار سبعمائة من الرهبان. وما من شك في أنهم كانوا سعداء في ذلك المكان، لأن الذين بعثوا من هذه البيئة الشيوعية ليكونوا رؤساء أديرة، أو أساقفة،